للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ: «لَا، هُوَ حَرَامٌ». أي: البيع حرام، أما الانتفاع بالميتة في طلي السفن والاستصباح، ودهن الجلود، وغير ذلك من وجوه الانتفاع فمباح.

القول الآخر: أن الخمر طاهرة، وبه قال ربيعة، وبعض الشافعية، وداود (١).

واستدلوا بأن الأصل طهارة الشيء، والنجاسة تحتاج إلى دليل يقتضي نجاسة الخمر، والأدلة التي ذكروها تدل على تحريم الخمر، وليس فيها دليل صحيح صريح على نجاسة الخمر، والسم محرم الأكل وليس نجسًا.

وفي الصحيحين عَنْ أَنَسٍ : كُنْتُ سَاقِيَ القَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، وَكَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الفَضِيخَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ مُنَادِيًا يُنَادِي: أَلَا إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ. قَالَ: فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ، فَأَهْرِقْهَا. فَخَرَجْتُ، فَهَرَقْتُهَا، فَجَرَتْ فِي سِكَكِ المَدِينَةِ» (٢) ولو كانت الخمر نجسة لما سُكبت فِي سِكَكِ المَدِينَةِ لأن النبي نهى عن التخلي في طريق الناس، ولم يرد أنهم غسلوا الأواني ولو كانت الخمر نجسة لغُسلت الأواني بعد إراقتها.

والراجح: أن الأصل في الأعيان الطهارة، ولم يأت دليل صحيح صريح يفيد نجاسة الخمر، والأدلة التي وردت تفيد تحريم الخمر، وعدم الانتفاع بها، وعدم بيعها وليس فيها ما يفيد النجاسة.

المبحث الثاني: طهارة الطِّيب الذي فيه كحول.

إذا كان الطيب فيه كحول وإذا شُرب يسكر؛ فإنه يحرم استعماله؛ لأن النبي قال: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ».

«كُلُّ مُسْكِرٍ» يشمل كل مسكر، سواء كان من العطور أو العنب أو غيرهما.

وقد أمر الله باجتناب الخمر، فلا يجوز الانتفاع بها بأي وجه من وجوه الانتفاع.


(١) «الجامع لأحكام القرآن» (٦/ ٢٨٨)، و «المجموع» (٢/ ٥٨١)، ورجحه الشوكاني كما في «السيل الجرار» (١/ ٣٥)، والصنعاني «سبل السلام» (١/ ٦١).
(٢) البخاري (٢٤٦٤)، ومسلم (٣٦٦٢).

<<  <   >  >>