للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَهُوَ يَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَوَضَّأُ مِنْهَا وَهِي يُلْقَى فِيهَا مَا يُلْقَى مِنَ النَّتْنِ؟! فَقَالَ: «إِنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»، أي: إن الماء سواء كان كثيرًا أو قليلًا ولم يتغير أحد أوصافه الثلاثة فلا ينجسه شيء، وهو طهور. واعترض عليه: بأنه لا يصح عن رسول الله .

واستدلوا بما روى البخاري عن أبي هريرة قال: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي المَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ : «دَعُوهُ، وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ أَوْ: ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ» (١).

وجه الدلالة: ما قاله الباجي (٢): وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ قَلِيلَ الْمَاءِ يُنَجِّسُهُ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ، وَهَذَا مَسْجِدُ النَّبِيِّ وَهُوَ أَرْفَعُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَجِبُ تَطْهِيرُهَا وَقَدْ حَكَمَ فِيهِ النَّبِيُّ بِصَبِّ دَلْوٍ مِنْ مَاءٍ عَلَى مَا نَجُسَ مِنْهُ بِالْبَوْلِ، وَلَا مَعْنَى لَهُ إلَّا تَطْهِيرُهُ لِلْمُصلِّانَ فِيهِ.

[المبحث الرابع: الماء المتغير بمجاورة نجاسة]

لو تغير الماء بمجاورة نجاسة كجيفة بقربه فإنه طهور، وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على ذلك.

قال النووي: لَوْ تَغَيَّرَ المَاءُ بِجِيفَةٍ بِقُرْبِهِ - يَعْنِي جِيفَةً مُلْقَاةً خَارِجَ الْمَاءِ قَرِيبَةً مِنْهُ- وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا تَضُرُّ الْجِيفَةُ قَطْعًا بَلْ الْمَاءُ طَهُورٌ بِلَا خِلَافٍ (٣).

قال الحطاب: الْمَاءَ إذَا تَغَيَّرَ بِمُجَاوِرَةِ شَيْءٍ لَهُ فَإِنَّ تَغَيُّرَهُ بِالْمُجَاوِرَةِ لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُجَاوِرُ مُنْفَصِلًا عَنْ الْمَاءِ أَوْ مُلَاصِقًا لَهُ. فَالْأَوَّلُ كَمَا لَوْ كَانَ إلَى جَانِبِ الْمَاءِ جِيفَةٌ أَوْ عَذِرَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا فَنَقَلَتِ الرِّيحُ رَائِحَةَ ذَلِكَ إلَى الْمَاءِ فَتَغَيَّرَ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا (٤).


(١) البخاري (٢٢٠).
(٢) «المنتقى» (١/ ١٢٩).
(٣) «المجموع» (١/ ١٥٥).
(٤) «مواهب الجليل» (١/ ٥٤).

<<  <   >  >>