للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْقَدَمِ.

القول الثالث: التفريق بين الخرق الكبير والخرق اليسير، وهو قول الحنفية والمالكية (١).

واستدلوا بأنه إذا كان ستر العورة واجبًا في الصلاة وظهور يسير العورة معفو عنه، فمن باب أَوْلى فالخرق اليسير في الخف معفو عنه.

قال ابن تيمية: وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْخِفَافَ فِي الْعَادَةِ لَا يَخْلُو كَثِيرٌ مِنْهَا عَنْ فَتْقٍ أَوْ خَرْقٍ لَا سِيَّمَا مَعَ تَقَادُمِ عَهْدِهَا، وَكَانَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَقُرَّاءَ لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُهُمْ تَجْدِيدُ ذَلِكَ. وَلَمَّا سُئِلَ النَّبِيُّ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَقَالَ: «أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ؟!» وَهَذَا كَمَا أَنَّ ثِيَابَهُمْ كَانَ يَكْثُرُ فِيهَا الْفَتْقُ وَالْخَرْقُ حَتَّى يَحْتَاجَ لِتَرْقِيعِ، فَكَذَلِكَ الْخِفَافُ، وَالْعَادَةُ فِي الْفَتْقِ الْيَسِيرِ فِي الثَّوْبِ وَالْخُفِّ أَنَّهُ لَا يُرَقَّعُ وَإِنَّمَا يُرَقَّعُ الْكَثِيرُ، وَكَانَ أَحَدُهُمْ يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الضَّيِّقِ حَتَّى إنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَجَدُوا تَقَلَّصَ الثَّوْبُ فَظَهَرَ بَعْضُ الْعَوْرَةِ وَكَانَ النِّسَاءُ نُهِينَ عَنْ أَنْ يَرْفَعْنَ رُءُوسَهُنَّ حَتَّى يَرْفَعَ الرِّجَالُ رُءُوسَهُمْ لِئَلَّا يَرَيْنَ عَوْرَاتِ الرِّجَالِ مَنْ ضِيقِ الْأُزُرِ، مَعَ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ سَتْرِ الرِّجْلَيْنِ بِالْخُفِّ، فَلَمَّا أَطْلَقَ الرَّسُولُ الْأَمْرَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخِفَافِ مَعَ عِلْمِهِ بِمَا هِيَ عَلَيْهِ فِي الْعَادَةِ؛ وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ تَكُونَ سَلِيمَةً مِنَ الْعُيُوبِ، وَجَبَ حَمْلُ أَمْرِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَيَّدَ كَلَامُهُ (٢).

والراجح: أنه يجوز المسح على ما يطلق عليه خف، سواء كان فيه فتق أو خرق؛ لأن أصحاب النبي بَلَّغوا سنته ولم يُنقل عن أحد منهم تقييد الخف بشيء من القيود، والله أعلم.

المبحث الثالث: لا يُشترط إمكان متابعة المشي على الخف:

يُشترط في الخف حتى يمسح عليه عند الجمهور أن يمكن متابعة المشي عليه (٣).

وذهب الشافعية في وجه إلى أن ذلك ليس بشرط (٤).

قال الشيخ الدبيان: إنه ليس بشرط، وأن الذي لا يمكن المشي فيه إن كان لضيقه فإن كان لا


(١) «بدائع الصنائع» (١/ ١١)، «حاشية الخرشي» (١/ ١٨٠).
(٢) «مجموع الفتاوى» (٢١/ ١٧٤).
(٣) «حاشية ابن عابدين» (١/ ٢٦٣)، «حاشية الخرشي» (١/ ١٧٩، ١٨٠)، «روضة الطالبين» (١/ ١٢٦)، «شرح العمدة» (١/ ٥٢٠).
(٤) «المجموع» (١/ ٥٢٨).

<<  <   >  >>