للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا بحديث عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوَ الْحِلَابِ فَأَخَذَ بِكَفِّهِ، بَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ الأَيْسَرِ، ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيْهِ، فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ (١).

قال القرطبي (المفهم): لا يُفْهَمُ من هذه الثلاثِ حَفَنَاتٍ أنه غسَلَ رأسَهُ ثلاثَ مرَّات؛ لأنَّ التكرارَ في الغُسْلِ غيرُ مشروع؛ لما في ذلك مِنَ المشقة، وإنما كان ذلك العددُ لأنه بدَأَ بجانبِ رأسِهِ الأيمنِ، ثم الأيسَرِ، ثم على وَسَطِ رأسه، كما في حديثِ عائشة.

واعترض عليه بما قاله ابن رجب: وهو خلاف الظاهر، والظاهر والله أعلم: أنه كان يعم رأسه بكل مرة، ولكن يبدأ في الأَولى بجهة اليمين، وفي الثانية بجهة اليسار، ثم يصب الثالثة على الوسطى.

قلت: ولا يمكن حمل قول النبي : «أَمَّا أَنَا، فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ أَكُفٍّ» وفي لفظ البخاري «فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثًا» فأشار بيديه كلتيهما - على مرة واحدة.

فالراجح: ما ذهب إليه جمهور العلماء من استحباب التثليث في غسل الرأس، ولا فرق بين الرجل والمرأة، وقد روى مسلم عن عائشة: لَقَدْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَلَا أَزِيدُ عَلَى أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ إِفْرَاغَاتٍ (٢).

[المطلب العاشر: هل تنقض المرأة الضفائر في غسل الجنابة؟]

ذهب جمهور العلماء إلى أن المرأة لا تنقض ضفائر شعرها في غسل الحيض والجنابة، وبه قال المالكية والشافعية ورواية عن أحمد (٣).

واستدلوا لذلك بالسنة والمأثور:

أما دليلهم من السنة: فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي فَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ والحيضة؟ قَالَ: «لَا، إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ


(١) مسلم (٣١٨).
(٢) مسلم (٣٣١).
(٣) المدونة (١/ ١٣٤)، الأم (١/ ٤٠)، المغني (١/ ٢٩٨).

<<  <   >  >>