للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهو نجس.

قلت: ولكن هذه الآية عامة، وقد استثني من هذه الآية ما لا نفس له سائلة، وحديث غمس الذباب ثم الشرب من الإناء دليل على الطهارة، إذ لو كان نجسًا لأمر بإراقة ما في الإناء، فكما أن إهاب الميتة إذا دُبِغَ فقد طهر؛ لعموم قول النبي : «أيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ»، فكذا ما لا نفس له سائلة.

[المبحث الثالث: طهارة الهرة، وهي لها نفس سائلة، أو هل ينجس الماء إذا ولغت الهرة فيه؟]

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: ذهب جمهور العلماء إلى طهارة سؤر الهرة، وبه قال المالكية، والشافعية، والحنابلة (١).

واستدلوا بما ورد عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ فَرْوَةَ، عَنْ خَالَتِهَا كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهَا أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءًا، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ لِتَشْرَبَ مِنْهُ، فَأَصْغَى لَهَا الإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ. قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا بْنَةَ أَخِي؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أَوِ الطَّوَّافَاتِ» (٢).


(١) «المنتقى» (١/ ٦٢)، و «الأم» (١/ ٦)، و «الفروع» (١/ ٢٤٦).
(٢) أخرجه مالك «الموطأ» (١/ ٤٤)، وأحمد (٥/ ٣٠٣)، وأبو داود (٧٥)، والترمذي (٩٢)، وابن ماجه (٣٦٧) من طرق عن إسحاق، عن عبد الله بن أبي طلحة، عن أم يحيى حميدة عن كبشة به.
قال ابن منده: أم يحيى اسمها حميدة، وخالتها كبشة، لا يُعرف لهما رواية إلا في هذا الحديث، ومحلها محل الجهالة.
في «سنن البيهقي» (١/ ٢٤٥): قال أبو عيسى: سألت محمدًا - يعني: البخاري- عن هذا الحديث، فقال: جود مالك بن أنس هذا الحديث، وروايته أصح من رواية غيره. وقال الترمذي «السنن» (١/ ١٥٣): هذا حديث حسن صحيح، وهذا أحسن شيء رُوي في هذا الباب، وقد جود مالك هذا الحديث، عن إسحاق بن عبد الله، ولم يأت أحد أتم من مالك. وقال الدارقطني «العلل» (٦/ ١٦٣): وأحسنها إسنادًا ما رواه مالك، قال البيهقي: إسناده صحيح، وصححه ابن خزيمة وابن حبان.

<<  <   >  >>