للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وُضُوءًا عِنْدَهُمْ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ حَدَثًا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ وَيُوجِبُ الْوُضُوءَ لَتَكَلَّمَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ (١).

والراجح: القول بأن لمس بدن المرأة بشهوة أو بغير شهوة لا ينقض الوضوء.

قال ابن تيمية: وَأَمَّا وُجُوبُ الْوُضُوءِ مِنْ مُجَرَّدِ مَسِّ الْمَرْأَةِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَهُوَ أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ، وَلَا يُعْرَفُ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا رَوَى أَحَدٌ عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا مِنْ ذَلِكَ؛ مَعَ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ غَالِبٌ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ فِي عُمُومِ الْأَحْوَالِ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَزَالُ يُنَاوِلُ امْرَأَتَهُ شَيْئًا وَتَأْخُذُهُ بِيَدِهَا وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا يَكْثُرُ ابْتِلَاءُ النَّاسِ بِهِ، فَلَوْ كَانَ الْوُضُوءُ مِنْ ذَلِكَ وَاجِبًا لَكَانَ النَّبِيُّ يَأْمُرُ بِذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَيَشِيعُ ذَلِكَ، وَلَوْ فَعَلَ لَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْهُ وَلَوْ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ، فَلَمَّا لَمْ يَنْقُلْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ أَمَرَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِشَيْءِ مِنْ ذَلِكَ - مَعَ عُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ - عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ.

[المبحث الثاني: خروج الدم والقيء والرعاف]

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: ذهب المالكية والشافعية إلى أن القيء والرعاف وما يخرج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء (٢).

واستدلوا بما روى أحمد: عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : «لَا وُضُوءَ إِلاَّ مِنْ صَوْتٍ، أَوْ رِيحٍ» (٣).


(١) الأوسط (١/ ١٣١): وقد أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن لا وضوء على الرجل إذا قَبَّل أمه.
(٢) حاشية الدسوقي (١/ ١١٨) مواهب الجليل (١/ ١٢٩٣)، المجموع (٢/ ٨).
(٣) ضعيف: مدار هذا الحديث على سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة وقد اختلف في متنه: فرواه شعبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا بهذا اللفظ، أخرجه أحمد (٢/ ٤٧١) وغيره، وتابع شعبة سعيد بن أبي عروبة كما عند أبي عبيد (الطهور) (٤٠٤) وخالفهما في متن هذا الحديث: جرير بن عبد الحميد كما عند مسلم (٣٦٢)، وحماد بن سلمة كما عند أحمد (٢/ ٤١٤)، وخالد بن عبد الله الواسطي كما عند ابن خزيمة (٢٨)، وعبد العزيز الدراوردي كما عند الترمذي (٧٥)، أربعتهم عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: «إِذَا أوجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا، فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا، فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا»، فهذا هو اللفظ الصحيح، وأما لفظ: «لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ» فهو وهم. قال أبو حاتم: هذا وهم، اختصر شعبة متن هذا الحديث فقال: «لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ» ورواه أصحاب سهيل عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي قال: «إِذَا كَانَ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ فَوَجَدَ رِيْحًا فِي نَفسِهِ فَلَا يَخْرُجَنَّ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا» وكذا رجح ابن خزيمة هذه الرواية (١/ ١٨، ١٩)، مما يؤيد ذلك ما أخرجه أحمد (٢/ ٣٣٠) من طريق الضحاك ابن عثمان عن أبي هريرة وفيه: «فَلَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا» وإسناده صحيح.

<<  <   >  >>