للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال تعالى: ﴿أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ [الأنعام: ١٤٥].

قالوا: معنى ﴿رِجْسٌ﴾ أي: نجس، ومعنى الآية أن لحم الخنزير نجس (١).

واعترض عليه بما قاله الشوكاني: بأن معنى ﴿رِجْسٌ﴾ أي: حرام وليس نجسًا.

وأجيب عنه: بأن حَمْله على الحرام فيه بُعد؛ لأنه يؤدي إلى التكرار وينافي البلاغة القرآنية، فيكون تقدير الآية: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إلى مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فإنه حرام) فيصعب أن يكون صدر الآية وآخرها على تَكرار التحريم، والصحيح أن قوله: ﴿رِجْسٌ﴾ دليل على النجاسة.

واستدلوا بأن الخنزير أَوْلَى بالنجاسة من الكلب؛ لأنه يحرم اقتناؤه، بخلاف الكلاب، فإنه مباح للحاجة، ويجب قتله من غير ضرر، ومنصوص على تحريمه (٢).

[المبحث الثالث: نجاسة سباع البهائم والطير]

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: ذهب الحنفية والحنابلة إلى نجاسة سباع البهائم والطير (٣).

واستدلوا بحديثٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ عَنِ الْمَاءِ يَكُونُ بِأَرْضِ الْفَلَاةِ وَمَا


(١) قال الجصاص «أحكام القرآن» (١/ ١٧٤): وَاللَّحْمُ وَإِنْ كَانَ مَخْصُوصًا بِالذِّكْرِ فَإِنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ، وَإِنَّمَا خَصَّ اللَّحْمَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مَنْفَعَتِهِ وَمَا يُبْتَغَى مِنْهُ، كَمَا نَصَّ عَلَى تَحْرِيمِ قَتْلِ الصَّيْدِ عَلَى الْمُحْرِمِ وَالْمُرَادُ حَظْرُ جَمِيعِ أَفْعَالِهِ فِي الصَّيْدِ، وَخَصَّ الْقَتْلَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مَا يُقْصَدُ بِهِ الصَّيْدُ. وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ [الجمعة: ٩] فَخَصَّ الْبَيْعَ بِالنَّهْيِ; لِأَنَّهُ كَانَ أَعْظَمَ مَا يَبْتَغُونَ مِنْ مَنَافِعِهِمْ، وَالْمَعْنِيُّ جَمِيعُ الْأُمُورِ الشَّاغِلَةِ عَنْ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى الْبَيْعِ تَأْكِيدًا لِلنَّهْيِ عَنْ الِاشْتِغَالِ عَنْ الصَّلَاةِ، كَذَلِكَ خَصَّ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ بِالنَّهْيِ تَأْكِيدًا لِحُكْمِ تَحْرِيمِهِ وَحَظْرًا لِسَائِرِ أَجْزَائِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ وَإِنْ كَانَ النَّصُّ خَاصًّا فِي لَحْمِهِ.
(٢) «موسوعة الطهارة» (١٣/ ١١٦).
(٣) «بدائع الصنائع» (١/ ٦٤)، و «الإنصاف» (١/ ٣٤٢).

<<  <   >  >>