للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعترض عليه بأن هذه الرواية شاذة، تفرد بذكرها بعض الرواة عن عليّ، وأما الأثبات الثقات عن عليّ مثل محمد بن الحنفية، وابن عباس، وعائش بن أنس، وأبي عبد الرحمن السلمي، وغيرهم، فرووه عن عليّ بلفظ: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ.

وذهب الشافعي إلى أن خروج المني بدفق أو بغيره وسواء بلذة أم بغير لذة -يوجب الغسل (١).

واستدلو لذلك بما ورد في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري عن النبي : «إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ»، فإذا نزل ماء المني بشهوة أو بغير شهوة وجب عليه أن يغتسل بالماء لكي يصلي، وكذا لو استيقظ من نومه فوجد بللًا أي منيًّا ولا يدري هو بشهوة أو بغيرشهوة، وجب عليه الغسل.

واعترض عليه بأن الأصل أن المني الذي يخرج عند الاحتلام وغيره يكون دفقًا والحكم للغالب.

والراجح: ما ذهب إليه جمهور العلماء أي أن الذي يوجب الغسل هو الماء الدافق؛ لعموم قوله تعالى: ﴿خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ﴾، والله أعلم.

[المطلب الخامس: هل يشترط أن تكون اللذة مقارنة للخروج؟]

ذهب أبو حنيفة والمشهور عند المالكية أنه لا يُشترط أن تكون اللذة مقارنة للخروج، فإذا انتقل المني من مكانه على وجه اللذة، ثم خرج بعد ذلك من غير لذة وجب الغسل؛ لأن العبرة بوجود اللذة وخروج المني، فإن وجدت اللذة حال انتقال المني، وخرج المني بعد ذلك فقد وجب الغسل (٢).


(١) قال النووي «المجموع» (٢/ ١٥٨): وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ خُرُوجِهِ بِجِمَاعٍ أَوْ احْتِلَامٍ أَوْ اسْتِمْنَاءٍ أَوْ نَظَرٍ أَوْ بِغَيْرِ سَبَبٍ، سَوَاءٌ خَرَجَ بِشَهْوَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَسَوَاءٌ تَلَذَّذَ بِخُرُوجِهِ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ خَرَجَ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا وَلَوْ بَعْضُ قَطْرَةٍ، وَسَوَاءٌ خَرَجَ فِي النَّوْمِ أَوْ الْيَقَظَةِ مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونِ، فَكُلُّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْغُسْلَ عِنْدَنَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ: لَا يَجِبُ إلَّا إذَا خَرَجَ بِشَهْوَةٍ وَدَفْقٍ.
(٢) «المبسوط» (١/ ٦٧)، «شرح فتح القدير» (١/ ٦١)، «الخرشي» (١/ ١٦٢).

<<  <   >  >>