للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرابع: أننا لو سلَّمنا أنهم مسحوا لم يضرنا ذلك، ولم تكن فيه حجة لهم؛ لأن ذلك المسح هو الذي توعد عليه بالعقاب، فلا يكون مشروعًا.

[الفرض الخامس: الترتيب]

اختلف أهل العلم في حكم الترتيب بين أعضاء الوضوء على قولين:

القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الترتيب فرض (١).

واستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ﴾ [المائدة: ٦].

وجه الدلالة: أن الله أمر بغسل الوجه وغسل اليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين، فلما ذكر الله ممسوحًا بين مغسولات دل ذلك على وجوب الترتيب، ولو لم يجب الترتيب لما قطع النظير عن نظيره ولكانت المغسولات في نسق وفي الآخرة المسح.

قال في (المهذب): فَأَدْخَلَ المَسْحَ بَيْنَ الغُسْلَينِ وَقَطَعَ النَّظَيرَ عَنِ نَّظِيره، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ إِيجَابَ التَّرْتِيبِ.

واعترض على هذه الاستدلال بأن هذا الأمر للاستحباب.

وأجيب عنه بما قاله النووي: فَإِنْ قِيلَ: فَائِدَتُهُ اسْتِحْبَابُ التَّرْتِيبِ، فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْن:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْآيَةَ بَيَانٌ لِلْوُضُوءِ الْوَاجِبِ لَا لِلْمَسْنُونِ، فَلَيْسَ فِيهَا شيءٌ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ.

الدَّلَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ مَذْهَبَ الْعَرَبِ إذَا ذَكَرَتْ أَشْيَاءَ وَعَطَفَتْ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ تَبْتَدِئُ


(١) «الوسيط» (١/ ٣٧٥)، و «مغني المحتاج» (١/ ٥٤)، و «الإنصاف» (١/ ١٣٨). وقال النووي: الله تَعَالَى ذَكَرَ مَمْسُوحًا بَيْنَ مَغْسُولَاتٍ، وَعَادَةُ الْعَرَبِ إذَا ذَكَرَتْ أَشْيَاءَ مُتَجَانِسَةً وَغَيْرَ مُتَجَانِسَةٍ جَمَعَتِ الْمُتَجَانِسَةَ عَلَى نَسَقٍ ثُمَّ عَطَفَتْ غَيْرَهَا، لَا يُخَالِفُونَ ذَلِكَ إلَّا لِفَائِدَةٍ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ التَّرْتِيبُ وَاجِبًا لَمَا قَطَعَ النَّظِيرَ عَنْ نظِيرِهِ.

<<  <   >  >>