للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن القيم: وَلَا رَيْبَ أَنَّ وُجُوبَ الطَّهَارَةِ وَسَتْرَ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ آكَدُ مِنْ وُجُوبِهَا فِي الطَّوَافِ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ بِلَا طَهَارَةٍ مَعَ الْقُدْرَةِ بَاطِلَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْعُرْيَانِ، وَأَمَّا طَوَافُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالْمُحْدِثِ وَالْعُرْيَانِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَفِي صِحَّتِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَإِنْ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَالِ (١).

وقال ابن القيم في موضع آخر: ثَبَتَ عن النَّبيِّ أنه قال: «اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» فَظَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حَالِ الْقُدْرَةِ وَالْعَجْزِ، وَلَا بَيْنَ زَمَنِ إمْكَانِ الِاحْتِبَاسِ لَهَا حَتَّى تَطْهُرَ وَتَطُوفَ وَبَيْنَ الزَّمَنِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ، وَتَمَسَّكَ بِظَاهِرِ النَّصِّ.

[المطلب الرابع: يباح للحائض أن تسعى بين الصفا والمروة.]

قال النووي: وأجمعوا على أن الحائض والنفساء لا تُمنع من شيء من مناسك الحج إلى الطواف وركعتيه، نقل الإجماع في هذا كله ابن جرير وغيره.

قلت: فدل هذا الإجماع على أن الحائض لا تمنع من السعي بين الصفا والمروة.

وفي الصحيحين قال النبي لعائشة: «فَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي».

فدل ذلك على أن الحائض لا تمنع من المناسك إلا الطواف.

قال ابن حزم: وَلَهَا أَنْ تَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُنْهَ إلَّا عَنِ الطَّوَافِ [بِالْبَيْتِ] فَقَطْ (٢).

وقد يشكل أنه كيف نقل الإجماع على جواز سعي الحائض بين الصفا والمروة وورد حديث يخالف ذلك؟!. فعن عائشة أنها قالت: قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ. قَالَتْ: فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ الله ، قَالَ: «افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الحَاجُّ غَيْرَ


(١) «إعلام الموقعين» (٣/ ٢١).
(٢) «المحلي» (٧/ ١٨٠).

<<  <   >  >>