للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا بما ورد في الصحيحين من حديث أَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّا بِأَرْضِ قَوْم أَهْلِ الكِتَابِ، أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ قال: «فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا» (١). قالوا: إن النبي لم يأذن في استعمال آنية أهل الكتاب إلا بعد غسلها؛ فدل ذلك على نجاستها.

واعترض عليه بأنه لا بد من الجمع بين الأدلة، فقد أباح الله لنا الأكل من طعام أهل الكتاب، وقد أكل من طعام اليهود (٢)، ونهى النبي عن الأكل من آنية أهل الكتاب نهي احتااط واستحباب، وحَمَله بعض العلماء على أن أهل الكتاب إذا كانوا يُكثرون من أكل الخنزير وشرب الخمور فيُحمل عليه هذا الحديث ليس لنجاسة بدن المشرك، ولكن لنجاسة الخنزير.

الراجح: ما ذهب إليه جماهير العلماء من طهارة بدن المشرك، والمراد بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ النجاسة المعنوية، أي: نجاسة الشرك، وإنه لو نطق بالشهادتين صار طاهرًا بإيمانه طهارة معنوية؛ لأن المؤمن لا ينجس.

[المبحث الثالث: طهارة مني الإنسان]

اختلف أهل العلم في طهارة مني الإنسان على قولين:

القول الأول: ذهب الشافعية، والحنابلة إلى أن المني طاهر (٣).

واستدلوا لذلك بأدلة منها الدليل الأول: ما روى مسلم عن عائشة وفيه: (وَإِنِّي


(١) البخاري (٥٤٧٨)، ومسلم (١٩٣٠).
(٢) روى البخاري (٣١٦٩) من حديث أبي هريرة في قصة أكله عند اليهود ووضع السم في الشاة، قال رسول الله : «هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟» قَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا القَاسِمِ. قَالَ: «هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا؟» قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟» قَالُوا: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا نَسْتَرِيحُ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ.
(٣) «المجموع» (١/ ١٤٦)، و «مسائل أحمد رواية أبي داود» (١/ ٣٢)، وعند أحمد رواية أن المني نجس، وعنه: أنه يعفى عن يسيره، وقال ابن حزم «المحلى» (١/ ١٣٤): المني طاهر، في الماء كان أو في الجسد أو الثوب لا تجب إزالته، والبصاق مثله لا فرق. اه.

<<  <   >  >>