للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الخامس من أكل لحم الجزور هل ينتقض وضوءه؟]

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: ذهب الشافعي في القديم وأحمد إلى أن من أكل لحم الجزور انتقض وضوءه (١).

واستدلوا بما روى مسلم: عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ : أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَوَضَّأْ» قَالَ: أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: «نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ» قَالَ: أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: «لَا» (٢).

وروى أحمد عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ الله عَنِ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ فَقَالَ: «تَوَضَّئُوا مِنْهَا» وَسُئِلَ عَنْ لُحُومِ الْغَنَمِ فَقَالَ: «لَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا»، وَسُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: «لَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ، فَإِنَّهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ» وَسُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، فَقَالَ: «صَلُّوا فِيهَا فَإِنَّهَا بَرَكَةٌ» (٣).


(١) «المجموع» (٢/ ٦٦)، و «الفروع» (١/ ١٨٣)، و «الإنصاف» (١/ ٢١٦)، و «صحيح ابن خزيمة» (١/ ٢١)، وابن حبان (٣/ ٤٣٢)، و «سنن الترمذي» (١/ ١٢٠).
(٢) «مسلم» (٣٦٠). وفي إسناده: جعفر بن أبي ثور، قال فيه الحافظ: مقبول. قلت: أي لين الحديث، وقد انفرد، فقد صحح حديثه الإمام أحمد، قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن الوضوء من لحوم الإبل، فقال: حديث البراء وحديث جابر بن سمرة جميعًا صحيح إن شاء الله تعالى، «مسائل أحمد رواية عبد الله» (١/ ٦٥)، وقد صححه إسحاق كما نقله عنه البيهقي «السنن» (١/ ١٥٩)، قال ابن خزيمة: لم نر خلافًا بين علماء أهل الحديث أن هذا الخبر أيضًا صحيح من جهة النقل؛ لعدالة ناقليه.
(٣) إسناده صحيح: مدار الحديث على عبد الرحمن بن أبي ليلى واختلف عليه:
١ - فرواه الأعمش عن عبد الله الرازي، عن ا بن أبي ليلى عن البراء به، أخرجه أحمد (٤/ ٣٠٣)
٢ - ورواه حجاج بن أرطأة عن عبد الله عن عبد الرحمن عن أبيه عن أسيد بن حضير، عند أحمد (٤/ ٣٥٢)
٣ - ورواه عبيدة الضبي عن عبد الله عن عبد الرحمن عن ذي الغرة الجهني، رواه عبد الله ابن أحمد «زوائد المسند» (٥/ ١١٢).
٤ - ورواه جابر الجعفي عن حبيب بن أبي ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سليك الغطفاني.
وقد رجح أحمد وإسحاق وأبو حاتم وغيرهم أن الصحيح رواية الأعمش عن عبد الله عن عبد الرحمن عن البراء. قال البيهقي «السنن» (١/ ٣٥٩): بلغني عن أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه أنهما قالا: قَدْ صَحَّ فِي هَذَا البَابِ حَدِيْثَانِ عَنِ النَّبِي، حَدِيْث البَرَاءِ، وحَدِيْث جَابِر بِنْ سمرة. وقال الترمذي «العلل الكبير» (١/ ١٥٢): الصحيح ما رواه الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء عن النبي، والأعمش أحفظ. كما رجح ذلك ابن خزيمة والبيهقي وغيرهم، انظر «صحيح ابن خزيمة» (١/ ٢٢)، و «السنن الكبرى للبيهقي» (١/ ١٥٩).

<<  <   >  >>