للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعترض على هذا الاستدلال من وجهين:

الأول: ما ثبت في الصحيحين من حديث جرير قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ بَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» (١) قال الأعمش: قال إبراهيم: كان يعجبهم هذا الحديث؛ لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة.

الثاني: ما قاله القرطبي في تفسير الآية: قِيلَ: إِنَّ الْخَفْضَ فِي الرِّجْلَيْنِ إِنَّمَا جَاءَ مُقَيَّدًا لِمَسْحِهِمَا لَكِنْ إِذَا كَانَ عَلَيْهِمَا خُفَّانِ، وَتَلَقَّيْنَا هَذَا الْقَيْدَ مِنْ رَسُولِ الله ، إِذْ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ أَنَّهُ مَسَحَ رِجْلَيْهِ إِلَّا وَعَلَيْهِمَا خُفَّانِ، فَبَيَّنَ بِفِعْلِهِ الْحَالَ الَّتِي تُغْسَلُ فِيهِ الرِّجْلُ وَالْحَالَ الَّتِي تُمْسَحُ فِيهِ، وَهَذَا حَسَنٌ (٢).

وقال ابن العربي: جَاءَتِ السُّنَّةُ قَاضِيَةً بِأَنَّ النَّصْبَ يُوجِبُ الْعَطْفَ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، وَدَخَلَ بَيْنَهُمَا مَسْحُ الرَّأْسِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَظِيفَتُهُ كَوَظِيفَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ قَبْلَ الرِّجْلَيْنِ لَا بَعْدَهُمَا، فَذُكِرَ لِبَيَانِ التَّرْتِيبِ لَا لِيَشْتَرِكَا فِي صِفَةِ التَّطْهِيرِ، وَجَاءَ الْخَفْضُ لِيُبَيِّنَّ أَنَّ الرِّجْلَيْنِ يُمْسَحَانِ حَالَ الِاخْتِيَارِ عَلَى حَائِلٍ، وَهُمَا الْخُفَّانِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ، فَعَطَفَ بِالنَّصْبِ مَغْسُولًا عَلَى مَغْسُولٍ، وَعَطَفَ بِالْخَفْضِ مَمْسُوحًا عَلَى مَمْسُوحٍ، وَصَحَّ الْمَعْنَى فِيهِ (٣).

[المبحث الأول: المسح على الجوربين]

اختلف أهل العلم في جواز المسح على الجوربين على أقوال: القول الأول: ذهب بعض الحنفية وقول للشافعية والحنابلة إلى جواز المسح على الجوربين الصفقين (٤).


(١) البخاري (٣٨٧) ومسلم (٢٧٢) واللفظ له.
(٢) تفسير القرطبي (٦/ ٩٣).
(٣) أحكام القرآن (٢/ ٧٢).
(٤) ذهب محمد بن الحسن وأبو يوسف من الحنفية وأرجح القولين عن الشافعية والحنابلة إلى جواز المسح على الجوربين الصفيقين. انظر المبسوط (١/ ١٠٢)، والمجموع (١/ ٥٢٦)، والمغني (١/ ١٨١).
وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى جواز المسح على الجوربين المجلدين أو المنعلين. شرح معاني الآثار (١/ ٩٧) والأم (١/ ٤٩).
وذهب مالك في قول إلى جواز المسح على الجورب المجلد. كما في المدونة (١/ ١٤٣).

<<  <   >  >>