للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال السرخسي: أَمَّا إذَا كَانَ يَخَافُ الْهَلَاكَ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَالتَّيَمُّمُ جَائِزٌ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ (١).

الحال الثاني: يباح التيمم إذا كان الماء الذي معه لا يكفي إلا لشربه.

قال ابن المنذر: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَطَشَ وَمَعَهُ مِقْدَارُ مَا يَتَطَهَّرُ بِهِ مِنَ الْمَاءِ - أَنَّهُ يُبْقِي مَاءَهُ لِلشُّرْبِ وَيَتَيَمَّمُ (٢).

دل على ذلك عموم قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [المائدة: ٢٩]

الحال الثالث: إذا كان الماء لا يأتيه إلا بعد خروج الوقت. إذا خشي خروج الوقت لو توضأ، فيتيمم ويصلي لعموم قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (١٠٣)[النساء: ١٠٣].

وفي المدونة: وَسَأَلْنَا مَالِكًا عَنِ الْمُسَافِرِ يَأْتِي الْبِئْرَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَهُوَ يَخْشَى إنْ نَزَلَ يَنْزِعُ بِالرِّشَا وَيَتَوَضَّأُ يَذْهَبُ وَقْتُ تِلْكَ الصَّلَاةِ؟ قَالَ: فَلْيَتَيَمَّمْ وَلْيُصَلِّ. قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَفَيُعِيدُ الصَّلَاةَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إذَا تَوَضَّأَ؟ قَالَ: لَا (٣).

[المبحث الثامن: إذا عدم الماء والصعيد]

يصلي على حَسَب استطاعته ولا يعيد؛ لعموم قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾. وفي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ فَأَرْسَلَ رَسُولُ الله نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا، فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلَاةُ، فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَلَمَّا أَتَوُا النَّبِيَّ شَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ (٤). فدل ذلك على أن الصحابة لما فقدوا الماء صلوا بغير وضوء قبل أن ينزل التيمم، فشكوا للنبي ذلك ولم يَرِد أن النبي أمرهم بقضاء الصلاة، والطهارة شرط لصحة الصلاة ويسقط عند العجز.

* * *


(١) «المبسوط» (١/ ١١٢).
(٢) «الأوسط» (٢/ ٢٨).
(٣) «المدونة» (١/ ٤٤).
(٤) «البخاري» (٣٧٧٣)، و «مسلم» (٣٦٧).

<<  <   >  >>