للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ جميع الرأس وهو المبين للناس ما أُنزل إليه، ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد: «ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى المَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ»، فهذا بيان لما أجمل في قوله تعالى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ كما في عموم قوله تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ٢٩﴾. وقد أجمعوا على أنه لا يجوز الطواف ببعضه، فكذلك في مسح الرأس لا يجوز مسح بعض الرأس، ثم إن مَنْ مسح جميع الرأس أجزاه بلا خلاف.

قال ابن عبد البر: الفرائض لا تؤدى إلا باليقين، واليقين ما أجمعوا عليه من مسح جميع الرأس، فقد أجمعوا أن من مسح برأسه كله فقد أحسن، وفَعَل أكمل ما يلزمه (١).

[الفرض الرابع: غسل الرجلين]

ذهب جمهور العلماء إلى أن غسل الرجلين فرض.

واستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: ٦]، فأرجلكم معطوفة على وجوهكم والعامل فيها الفعل في قوله تعالى: ﴿فَاغْسِلُوا﴾ أي: فاغسلوا وجوهكم وأرجلكم.

والأحاديث المستفيضة الصحيحة في صفة وضوء النبي كحديث عثمان وعبد الله بن زيد وغيرهما.

وقال الطحاوي: رَأَيْنَا الْأَعْضَاءَ الَّتِي قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى فَرْضِيَّتِهَا فِي الْوُضُوءِ: الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالرَّأْسُ. فَكَانَ الْوَجْهُ يُغْسَلُ كُلُّهُ، والْيَدَانِ، وَكَذَلِكَ الرِّجْلَانِ (٢).

وقال ابن قدامة: وَالمَفْرُوْضُ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ خِلَافِ خَمْسَةٌ: النِّيةُ … وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ.

القول الثاني: أن فرض الرجلين المسح، حُكِي هذا القول عن علي بن أبي طالب وابن عباس وأنس، وهو مذهب الحسن البصري وعكرمة والشعبي.


(١) فتح البر بترتيت التمهيد (٣/ ٢٢٧).
(٢) «شرح معاني الآثار» (١٠/ ٣٣).

<<  <   >  >>