للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: الماء الكثير إذا لاقته نجاسة فلم تغيره]

الماء الكثير إذا لاقته نجاسة فلم تغيره طهور بالإجماع.

قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الماء الكثير من النيل والبحر ونحو ذلك، إذا وقعت فيه نجاسة، فلم تغير له لونًا ولا طعمًا ولا ريحًا، أنه بحاله يُتطهر منه (١).

قال ابن رشد: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْكَثِيرَ الْمُسْتَبْحِرَ لَا تَضُرُّهُ النَّجَاسَةُ الَّتِي لَمْ تُغَيِّرْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ وَأَنَّهُ طَاهِرٌ (٢).

[المبحث الثالث: الماء الراكد إذا لاقته نجاسة فلم تغيره]

اختلف العلماء في الماء الراكد إذا لاقته نجاسة فلم تغيره - على قولين:

القول الأول: ذهب جمهور العلماء إلى أن الماء إذا كان قليلًا فإنه ينجس وإن لم يتغير، وإذا كان كثيرًا فإنه لا ينجس إلا بالتغير (٣).

واستدلوا بحديث ابن عمر، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ عَنِ الْمَاءِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ، فَقَالَ: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ» (٤).


(١) «الإجماع» (ص: ٣٣)، و «الأوسط» (١/ ٢٦١)
(٢) «بداية المجتهد» (١/ ٢٤٥)، ونقل الإجماع ابن الهمام «شرح فتح القدير» (١/ ٧٧ - ٧٨)، وأبو الوليد بن رشد «مواهب الجليل» (١/ ٥٣)، وابن عبد البر في «التمهيد» (٩/ ١٠٨)، والطبري، وابن حزم، وابن قدامة، وابن تيمية وغيرهم كثير.
(٣) وبه قال الحنفية، والشافعية، وقول عند الحنابلة، كما في «شرح «فتح القدير» (١/ ٧٠)، و «الأم» (١/ ١٨)، و «الكافي» (١/ ٨).
(٤) هذا الحديث قد اختلف في سنده ومتنه:
أولًا: السند. فمدار الحديث على الوليد، واختلف عليه:
أ - فرواه أبو أسامة عن الوليد، عن محمد بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر به. أخرجه أبو داود (٦٣).
ب -عن الوليد، عن محمد بن جعفر، عن عبيد الله، عن ابن عمر به. أخرجه النسائي (٣٢٨).
ج - ورواه محمد بن إسحاق عن الوليد، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبد الله، عن ابن عمر به. أخرجه ابن أبي شيبة (١/ ١٣٣) وغيره. وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث.
د - وعن الوليد، عن محمد بن جعفر، ومحمد بن عباد، عن عبد الله، عن ابن عمر به. أخرجه أبو داود (٦٣).
وللاختلاف في هذا الحديث فقد حكم عليه ابن المبارك، وابن عبد البر، وابن العربي، وابن القيم بالاضطراب، كما في «الأوسط» (١/ ٢٧١)، و «التمهيد» (١/ ٣٣٥)، و «عارضة الأحوذي» (١/ ٨٤)، و «تهذيب السنن» (١/ ٦٢). وقد رجح أبو داود (٦٣) طريق أبي أسامة عن الوليد عن محمد بن جعفر، عن عبد الله، عن أبيه.
ثانيًا: الخلاف في المتن.
١ - رُوِى الحديث: «إذا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِل الخَبَثَ».
٢ - ورُوِى: «إذا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أو ثلاثًا … » على الشك. وهذه الرواية من طريق حماد بن سلمة، عن عاصم، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، واختلف على حماد فرواه جماعة على الشك. مثل: (وكيع، ويزيد بن هارون، وعفان … وغيرهم)، كما عند أحمد (٢/ ٢٣، ١٠٧)، وابن ماجه (٥١٨)، والدارقطني (١/ ٢٢)، وغيرهم. وخالفهم جماعة، مثل: (موسى بن إسماعيل والطيالسي، وغيرهما)، عن حماد به بدون شك.
قلت: لعل هذا الشك من قِبل حماد؛ لأنه رواه عنه الثقات على كلا الوجهين. قال البيهقي «السنن» (١/ ١٦٢): ورواية الجماعة الذين لم يشكوا أَوْلى.
٣ - وعن جابر، قال: قال رسول الله : «إِذَا كَانَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً فَلَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ».
أخرجه ابن عدي «الكامل» (٦/ ٣٤)، والدارقطني (١/ ٢٦)، وفي إسناده: القاسم بن عبد الله العمري: متروك. وعن أبي هريرة موقوفًا: (إِذَا كَانَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً فَلَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ). أخرجه أبو عبيد «الطهور» (ص: ٢٣١). وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف. فاللفظ الصحيح: «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ».

<<  <   >  >>