للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذِّكْرَ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ قَوْلَانِ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ اسْتَغْفَرَ مِنْ تَرْكِ ذِكْرِ الله تَعَالَى حَالَ لَبْثِهِ عَلَى الْخَلَاءِ وَكَانَ لا يهجر ذكر الله تعالى إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ اسْتَغْفَرَ خَوْفًا مِنْ تَقْصِيرِهِ فِي شُكْرِ نِعْمَةِ الله تَعَالَى الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِ فَأَطْعَمَهُ ثُمَّ هَضَّمَهُ ثُمَّ سَهَّلَ خُرُوجَهُ، فَرَأَى شُكْرَهُ قَاصِرًا عَنْ بُلُوغِ هَذِهِ النِّعْمَةِ فَتَدَارَكَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ.

قال ابن القيم: في هذا من السر أن النجو يُثقل البدن ويؤذيه باحتباسه والذنوب تُثقل القلب وتؤذيه باحتباسها فيه، فهما مؤذيان مضران بالبدن والقلب، فحَمِد الله عند خروجه على خلاصه من هذا المؤذي لبدنه، وسأل أن يخلصه من المؤذي الآخر ويريح قلبه منه ويخففه، وأسرار كلماته وأدعيته فوق ما يخطر بالبال (١).

المطلب الثاني: قول «الْحَمْدُ لِله الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافاني.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِله الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافاني» (٢).


(١) إغاثة اللفهان (١/ ٥٨، ٥٩).
(٢) ضعيف: أخرجه ابن ماجه (٣٠١) وفي إسناده: إسماعيل بن مسلم المكي، قال البخاري (التاريخ الكبير) (١/ ٣٧٢): تركه ابن المبارك وربما روى عنه، وتركه يحيى وابن مهدي وقال في الزوائد: متفق على ضعفه، وله شاهد رواه النسائي في «عمل اليوم والليلة» كما في «تحفة الأشراف» (٩/ ١٩٤، ١٩٥) من طريق يحيى بن بكير، عن شعبة، عن منصور، عن أبي الفيض عن أبي ذر: كَانَ النَّبِيُّ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ قَالَ: «الْحَمْدُ لِله الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي».
وهذا الحديث له علتان:
الأولي: خالف يحيى بن بكير محمد بن جعفر فرواه عن شعبة عن منصور قال: سمعت رجلًا يرفع الحديث إلى أبي ذر قوله كما في التحفة ومحمد بن جعفر أوثق من يحيى بن بكير لا سيما في شعبة، وقال الدارقطني (العلل) (٦/ ٢٣٥): يرويه شعبة واختلف عليه: فرواه عبد الله بن أبي جعفر الرازي، عن شعبة عن منصور، عن أبي الفيض عن سهل بن أبي حثمة وأبي ذر عن النبي. وليس هذا القول بمحفوظ، وغيره يرويه عن شعبة عن منصور عن رجل يقال له الفيض عن أبي حثمة عن أبي ذر موقوفًا وهو أصح.
الثانية: أن الصحيح في هذا الحديث الوقف؛ روى ابن أبي شيبة (المصنف) (٧/ ١٢) رقم (١٠) قال: حدثنا عبدة بن سليمان ووكيع عن سفيان عن منصور عن أبي علي أن أبا ذر كان يقول: إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِله الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي»، قال أبو زرعة: وهِم شعبة في هذا الحديث، ورواه الثوري فقال: عن منصور عن أبي علي عبيد بن علي عن أبي ذر. وهذا هو الصحيح
قلت (محمد): إذا كانت هذه الرواية الموقوفة هي الراجحة ففي إسنادها أبو علي الأزدي: لين الحديث. وروى ابن أبي شيبة (المصنف) (١/ ١٢) رقم (١١) قال: حدثنا عبدة عن جوبير عن الضحاك، قال: كان حذيفة … موقوفًا به وفي إسناده: جوبير ضعيف جدًّا. وروى ابن أبي شيبة (١/ ١٢) رقم (١٣) قال: حدثنا إسحاق بن منصور، قال: حدثنا هريم، عن ليث، عن المنهال بن عمرو قال: كان أبو الدرداء إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِله الَّذِي أماط عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي»، وفي إسناده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، والمنهال بن عمرو لم يدرك أبا الدرداء.
فالحاصل أن حديث أنس مرفوعًا ضعيف، وحديث أبي ذر الصحيح فيه أنه موقوف ضعيف ولا يصح عن حذيفة ولا عن أبي الدرداء، فلا يصح في الباب حديث، والله أعلم.

<<  <   >  >>