للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الأول شروط صحة الوضوء]

[الشرط الأول: الإسلام]

فلا يصح الوضوء من كافر، وكذا جميع العبادات، دل على ذلك عموم قوله تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ﴾ [التوبة: ٥٤] (١).


(١) هذه المسألة مبنية على أصل هو: هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؟
قد أجمع العلماء على مخاطبة الكفار بأصول الشريعة كالتوحيد، قال تعالى: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: ١٥٨].
واختلفوا في مخاطبة الكفار بفروع الشريعة:
فذهب جمهور العلماء إلى أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، ويعاقبون على تركها في الآخرة، قال تعالى: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤)﴾ [المدثر] فكان من أسباب العذاب وموجباته إهمال حق المسكين، وهذا الحق من فروع الشريعة، وقال تعالى: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ [فصلت] فأوجب لهم الويل بكفرهم وإخلالهم بالزكاة. وهذا الذي أوتي كتابه بشماله قال: ﴿يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (٢٦)﴾ [الحاقة: ٢٥ - ٢٦] قال الله: ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (٣٢)﴾ [الحاقة] والسبب في هذا ﴿إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (٣٤)﴾ [الحاقة] يعذب بإضاعة حق اليتيم، وهذا من فروع الشريعة.
واستدل الجمهور بالقياس، فكما أن الكافر يُلزم بالنواهي بالإجماع فإذا سرق قُطع وإذا زنا حُد، فكذا يُلزم بالأوامر.
وذهب بعض الحنفية وبعض الشافعية إلى أن الكافر لا يخاطب بفروع الشريعة، واستدلوا بما ورد في الصحيحين، من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ: «إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ، فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ». ففي الحديث أن الصلاة والزكاة والصيام لا تجب إلا بعد الإيمان. واستدلوا أيضًا بأن الكافر ليس أهلاً لأداء العبادات.
والراجح ما ذهب إليه جمهور العلماء أي أن الكافر لا يطالب بالفروع كالصلاة والزكاة والصوم وغيرها في الدنيا مع كفره لأن لا يُقبل منه حتى يسلم فيطالب بالأصول والفروع، ولا يلزمه قضاء ما مضى إذا أسلم، ويعاقب ويعذب على ترك الفروع في الآخرة زيادة على عذاب الكفر. «انظر المجموع» (٣/ ٥)، وفي «أصول السرخسي» (١/ ٧٤)، قال: مخاطبته بالأوامر والنواهي، وإيجاب الشيء عليه لا يلزم منه صحته لو فعله، لأن المانع من قِبله هو، وليس من قِبل الشرع، فإذا أُمر الإنسان بأن يفعل فعلاً، وكان هناك مانع يمنع من صحة الفعل، إن كان المانع من قِبل الشرع، كالعجز عن الفعل سقط الفعل، وإن كان المانع من قِبل المكلف أثم ولم يرتفع عنه الخطاب. انظر «الشامل الميسر» لمحمد صبحي (١/ ١٤٢).

<<  <   >  >>