للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَتُسَبِّحُ؟ قَالَ: «قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ فَمَا وَجَدْنَا لَهُ أَصْلًا» (١).

قال النووي: إذَا قَصَدَتِ الطَّهَارَةَ تَعَبُّدًا مَعَ عِلْمِهَا بِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ فَتَأْثَمُ بِهَذَا لِأَنَّهَا مُتَلَاعِبَةٌ بِالْعِبَادَةِ، فَأَمَّا إمْرَارُ الْمَاءِ بِغَيْرِ قَصْدِ الْعِبَادَةِ فَلَا تَأْثَمُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ الحائِضَ إذا أَمْسَكَتْ عَنِ الطَّعَامِ بِقَصْدِ الصَّوْمِ أَثِمَتْ وَإِنْ أَمْسَكَتْ بِلَا قَصْدٍ لَمْ تَأْثَمْ (٢).

والراجح: أنه ليس على الحائض وضوء ولا تسبيح ولا ذِكْر في أوقات الصلاة، ولكن يستحب لها الإكثار من ذِكْر الله، وقد قال النبي لعائشة: «افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي». وتفعل الحائض كل شيء من ذِكْر لله ورمي وسعي وغيره من أفعال الحج إلا الطواف، وكان النبي يذكر الله على كل أحيانه فدل ذلك على الإكثار من ذِكْر الله للحائض وغير ذلك من العبادات التى لا يشترط له الطهارة، والله أعلم.

المطلب الثالث: إذا حاضت المرأة بعد دخول الوقت وهي لم تصلِّ، فهل تقضي هذه الصلاة؟

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على خمسة أقوال:

القول الأول: أن المرأة إذا حاضت بعد دخول الوقت لا يجب عليها القضاء، وهو قول الحنفية، ورواية عند المالكية وبعض الشافعية (٣).

قال ابن حزم: بُرْهَانُ قَوْلِنَا هُوَ أَنَّ الله تَعَالَى جَعَلَ لِلصَّلَاةِ وَقْتًا مَحْدُودًا أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ، وَصَحَّ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَفِي آخِرِ وَقْتِهَا، فَصَحَّ أَنَّ الْمُؤَخِّرَ لَهَا إلَى آخِرِ وَقْتِهَا لَيْسَ عَاصِيًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ الْمَعْصِيَةَ، فَإِذًا هِيَ لَيْسَتْ عَاصِيَةً فَلَمْ تَتَعَيَّنِ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا بِعُدُولِهَا تَأْخِيرَهَا، فَإِذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهَا حَتَّى حَاضَتْ فَقَدْ سَقَطَتْ عَنْهَا، وَلَوْ كَانَتِ الصَّلَاةُ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ لَكَانَ مَنْ صَلَّاهَا بَعْدَ مُضِيِّ مِقْدَارِ تَأْدِيَتِهَا مِنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا قَاضِيًا لَهَا لَا مُصَلِّيًا، وَفَاسِقًا بِتَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا، وَمُؤَخِّرًا لَهَا عَنْ وَقْتِهَا، وَهَذَا بَاطِلٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ (٤).


(١) إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (١/ ١٢٨).
(٢) «المجموع» (٢/ ٣٨٢).
(٣) «المبسوط» (٢/ ١٤، ١٥)، «فتح البر بترتيب التمهيد» (٤/ ١١٠)، «المجموع» (١/ ٧١).
(٤) «المحلى» (٢/ ١٧٥).

<<  <   >  >>