للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الثالث: أن الاستنشاق واجب والمضمضة سنة.

واستدلوا بعموم قول النبي : «بَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» (١).

قال ابن المنذر: وَالَّذِي بِهِ نَقُولُ إِيجَابُ الِاسْتِنْشَاقِ خَاصَّةً دُونَ الْمَضْمَضَةِ لِثُبُوتِ الْأَخْبَارِ عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ أَمَرَ بِالِاسْتِنْشَاقِ، وَلَا نَعْلَمُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْمَضْمَضَةِ، قَالَ : «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً ثُمَّ لِيَنْثُرْ» وَأَمْرُهُ عَلَى الْفَرْضِ وَأَحَقُّ النَّاسِ بِهَذَا الْقَوْلِ أَصْحَابُنَا لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْأَمْرَ فَرْضًا، وَاعْتَلَّ الشَّافِعِيُّ فِي وُقُوفِهِ عَنْ إِيجَابِ الِاسْتِنْشَاقِ أَنَّهُ ذَكَرَ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ خِلَافًا فِي أَنْ لَا إِعَادَةَ عَلَى تَارِكِهِمَا (٢).

وقال ابن عبد البر: وَحُجَّةُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَنَّ النَّبِيَّ فَعَلَ الْمَضْمَضَةَ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهَا، وَأَفْعَالُهُ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَفَعَلَ الِاسْتِنْثَارَ وَأَمَرَ بِهِ وَأَمْرُهُ عَلَى الْوُجُوبِ أَبَدًا إِلَّا أَنْ تَبَيَّنَ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مُرَادِهِ (٣).

قلت: والراجح أ ن المضمضة والاستنشاق سنة لعدم ذكرهما فى الأية، والله أعلم.

[المطلب الثاني: يستحب تقديم المضمضة على الاستنشاق]

قال ابن نجيم: الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ سُنَّتَانِ مُشْتَمِلَتَانِ عَلَى سُنَنٍ مِنْهَا تَقْدِيمُ الْمَضْمَضَةِ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ بِالْإِجْمَاعِ (٤).

ودل على سنية ذلك مواظبة النبي على هذا التقديم (٥).

وذهب الشافعية في أصح الوجهين والحنابلة في رواية إلى أن تقديم الفم على الأنف شرط


(١) أخرجه أحمد (٤/ ٣٢، ٣٣)، وأبو داود (٢٣٦٦)، والترمذي (٧٨٨)، والنسائي (١/ ٦٦)، وابن ماجه (٤٠٧) وغيرهم. وفي إسناده عاصم بن لقيط بن صبرة، ذكره ابن حبان في الثقات قال النسائي: ثقة. و النسائي يوثق بعض المجاهيل.
(٢) «الأوسط» (١/ ٣٧٩).
(٣) «فتح البر بتمهيد ابن عبد البر» (٣/ ٢٠٨).
(٤) «البحر الرائق» (١/ ٢٢).
(٥) «بدائع الصنائع» (١/ ٢١) بتصرف.

<<  <   >  >>