قال ابن عبد البر بعد ذكر حديث المغيرة: «رَأَيْتُ رَسُولَ الله بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ»: وَفِيهِ الْحُكْمُ الْجَلِيلُ الَّذِي فَرَّقَ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ وَهُوَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، لَا يُنْكِرُهُ إِلَّا مَخْذُولٌ أَوْ مُبْتَدِعٌ خَارِجٌ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ، لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَسَائِرِ الْبُلْدَانِ إِلَّا قَوْمًا ابْتَدَعُوا فَأَنْكَرُوا الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَقَالُوا: إِنَّهُ خِلَافُ الْقُرْآنِ وَعَسَى الْقُرْآنُ نَسَخَهُ. وَمَعَاذَ الله أَنْ يُخَالِفَ رَسُولَ ﷺ كِتَابَ الله، بَلْ بَيَّنَ مُرَادَ الله مِنْهُ كَمَا أَمَرَهُ الله ﷿ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ وَقَالَ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بينهم﴾ [النساء: ٦٥] الآية.
وَالْقَائِلُونَ بِالْمَسْحِ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَفُقَهَاءُ الْمُسْلِمِينَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ أَنَّ هَؤُلَاءِ جَازَ عَلَيْهِمْ جَهْلُ مَعْنَى الْقُرْآنِ أَعَاذَنَا الله مِنَ الْخِذْلَانِ، رَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَغَيْرُهُمْ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: (رَأَيْتُ جَرِيرًا يَتَوَضَّأُ مِنْ مِطْهَرَةٍ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَفْعَلُ هَذَا؟! فَقَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَفْعَلَهُ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله ﷺ يَفْعَلُهُ؟! قَالَ إِبْرَاهِيمُ: فَكَانُوا يَعْنِي- أَصْحَابَ عَبْدِ الله وَغَيْرَهُمْ- يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِهِ لِأَنَّ إِسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ.
ثم قال: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَدْرَكْتُ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله ﷺ كُلُّهُمْ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ، وَعَمِلَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَسَائِرُ أَهْلِ بَدْرٍ وَالْحُدَيْبِيَةِ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَجْمَعِينَ وَفُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ وَجَمَاعَةِ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ، كُلُّهُمْ يُجِيزُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. اه
[المبحث الثالث: الفرق بين الخف والجورب والجبيرة]
الخف: ما يُلبس في الرِّجل من جلد رقيق.
الجورب: ما يُلبس في الرِّجل على هيئة الخف من غير الجلد.
الجبيرة: العيدان التي تُجبر بها العظام (١).
(١) مختار الصحاح (ص/ ٦٨)، المعجم الوسيط (١/ ٢٤٧).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute