للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الرابع: يحرم الاستنجاء بالطعام]

ذهب جماهير العلماء إلى تحريم الاستنجاء بالطعام (١).

قال ابن عبد البر: ما يجوز أكله لا يجوز الاستنجاء به (٢).

قال النووي: فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِعَظْمٍ وَلَا خُبْزٍ وَلَا غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَطْعُومِ، فَإِنْ خَالَفَ وَاسْتَنْجَى بِهِ عَصَى وَلَا يُجْزِئُهُ (٣).

واستدلوا لذلك بما روى مسلم من حديث ابن مسعود: قال النبي : «أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، قَالَ: فَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ وَسَأَلُوهُ الزَّادَ فَقَالَ: «لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ». فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : «فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ» (٤). وإذا كان طعام الجن منهيًّا عنه فطعام الإنس أولى، والاستنجاء بالطعام فيه كفران للنعمة وامتهان لها.

قال ابن تيمية: لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ (٥)

وإذا استنجى بالطعام هل يجزئه؟


(١) مواهب الجليل (١/ ٢٨٦)، والمجموع (١/ ١٣٥)، والمغني (١/ ١٠٤).
(٢) الكافي (ص ١٧).
(٣) المجموع (٢/ ١٣٥).
(٤) مسلم (٤٥٠).
(٥) مجموع الفتاوى (٢١/ ٤٧٥) وقال في بدائع الصنائع (١/ ١٨): وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَسْتَنْجُوا بِالْعَظْمِ وَلَا بِالرَّوْثِ فَإِنَّ الْعَظْمَ زَادُ إخْوَانِكُمْ الْجِنِّ، وَالرَّوْثُ عَلَفُ دَوَابِّهِمْ» فَإِنَّ فِعْلَ ذَلِكَ يُعْتَدُّ بِهِ عِنْدَنَا، فَيَكُونُ مُقِيمًا سُنَّةً، وَمُرْتَكِبًا كَرَاهَةً، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِفِعْلٍ وَاحِدٍ جِهَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ، فَيَكُونُ بِجِهَةِ كَذَا، وَبِجِهَةِ كَذَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، حَتَّى لَا تَجُوزَ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يَسْتَنْجِ بِالْأَحْجَارِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَجْهُ قَوْلِهِ: إنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِالْأَحْجَارِ فَيُرَاعَى عَيْنُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الرَّوْثَ نَجَسٌ فِي نَفْسِهِ، وَالنَّجَسُ كَيْفَ يُزِيلُ النَّجَاسَةَ؟ (وَلَنَا) أَنَّ النَّصَّ مَعْلُولٌ بِمَعْنَى الطَّهَارَةِ وَقَدْ حَصَلَتْ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَمَا تَحْصُلُ بِالْأَحْجَارِ، إلَّا أَنَّهُ كُرِهَ بِالرَّوْثِ لِمَا فِيهِ مِنِ اسْتِعْمَالِ النَّجَسِ، وَإِفْسَادِ عَلَفِ دَوَابِّ الْجِنِّ.

<<  <   >  >>