للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلَكِنْ كَانَ إِذَا مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ كَمَّلَ عَلَى الْعِمَامَةِ … ثم قال: وَأَمَّا اقْتِصَارُهُ عَلَى النَّاصِيَةِ مُجَرَّدَةً فَلَمْ يُحْفَظْ عَنْه (١).

أما دليلهم من المأثور فعَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً» (٢).

القول الثالث: ذهب الشافعية إلى أنه لو مسح على شعرة أو شعرات من رأسه أجزأه (٣). واستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ [المائدة: ٦]. والباء للتبعيض أي: امسحوا بعض رؤوسكم، كما تقول: مسحت بالحائط، وهو مسح بجزء من الحائط.

واعترض عليه: بأن الباء إذا دخلت على فعل يتعدى بنفسه أفادت قدرًا زائدًا، فلو قال: وامسحوا رؤوسكم لم تدل على ما يلتصق بالمسح، فإنك تقول: (مسحت رأس فلان) وإن لم يكن بيدك بلل، فإذا قيل: وامسحوا برؤوسكم وبوجوهكم ضمن المسح معنى الإلصاق، فأفاد أنكم تلصقون برؤوسكم شيئًا بهذا، ولو أراد بعض الرأس لقال: امسحوا رؤوسكم.

قلت: وهذا مثل قوله تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ٢٩﴾ [الحج: ٢٩]، وقد أجمعوا على أنه لا يجوز الطواف ببعضه، أى: الطواف بجميع البيت، فكذلك مسح الرأس لقوله تعالى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ [المائدة: ٦] أى: مسح جميع الرأس لا يجوز مسح بعضها.

واستدلوا بما ورد عن النبي أنه مسح بناصيته، فهذا يدل على عدم وجوب الاستيعاب، والناصية أقل من الربع، فدل ذلك على أنه لو مسح على شعرة أو شعرات أجزأه.

واعترض عليه بأن ذلك لم يصح.

والراجح ما ذهب إليه جمهور العلماء من وجوب مسح جميع الرأس لعموم قوله تعالى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ والمراد بمسح الرأس مسح جميع الرأس، بَيَّن النبي أن المراد ب


(١) «زاد المعاد) (١/ ١٩٣).
(٢) إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة «المصنف» (١/ ٢٢).
(٣) «المجموع» (١/ ٤٣٠)، و «الحاوي» (١/ ١١٤).
انظر: مجموع الفتاوى (٢١/ ١٢٩) بتصرف.

<<  <   >  >>