للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُمْسَحَانِ بِكَفٍّ إِذَا كَانَ عَلَيْهِمَا خِفْافٌ أَوْ تَلقَينَا هَذَا القَيْدَ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللهِ إَذْ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ أَنَّهُ مَسَحَ رِجْلَيْهِ إِلَّا وَعَلِيْهِ خِفَافُ، وَالمُتَوَاتِرُ عَنْهُ غَسْلُهُما، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ بِفِعْلِهِ الحَالَ الَّتِي تُغْسَلُ فِيهَا الرِّجْلُ وَالحَالَ الَّذِي تُمْسَحُ فِيهِ (١).

والثاني: ما قاله النووي: لَوْ ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ الْمَسْحُ لِحُمِلَ الْمَسْحُ عَلَى الْغَسْلِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَالْقِرَاءَتَيْنِ لِأَنَّ الْمَسْحَ يُطْلَقُ عَلَى الْغَسْلِ، كَذَا نَقَلَهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ: مِنْهُمْ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَابْنُ قُتَيْبَةَ وَآخَرُونَ، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ العربُ تُسميِّ خفيفَ الغُسْل مسحًا. وَروى البيهقي بإسناده عن الأعمش قال: كانوا يقرؤُوُنَها وَكَانُوا يَغْسِلُون (٢).

وقال ابن العربي: من المستعمل في أرض الحجاز: تمسَّحنا للصلاة، أي توضأنا.

واستدلوا بما ورد في الصحيحين عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تَخَلَّفَ رَسُولُ الله فِي سَفَرٍ سَافَرْنَاهُ، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقْنَا الصَّلَاةَ صَلَاةَ العَصْرِ، وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» (٣).

واعترض عليه بما قاله ابن العربي: ولفظة: (نمسح على أرجلنا)، قد يتمسك به من قال بجواز المسح على الرجلين، ولا حجة فيه لأربعة أوجه:

الأول: أن المسح هنا يراد به الغسل، فمن الفاشي المستعمل في أرض الحجاز أنهم يقولون: (تمسَّحنا للصلاة): أي توضأنا.

والثاني: قوله: (وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء)، يدل على أنهم كانوا يغسلون أرجلهم، إذ لو كانوا يمسحونها لكانت القدم كلها، فإن المسح لا يحصل منه بلل الممسوح.

والثالث: أن هذا الحديث قد رواه أبو هريرة فقال: إِنَّ النَّبِيَّ رَأَى رَجُلًا لَمْ يَغْسِلْ عَقِبَيْهِ فَقَالَ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ».


(١) «المفهم» (١/ ٤٩٦).
(٢) «المجموع» (١/ ٤٥٠).
(٣) «البخاري» (٩٦)، و «مسلم» (٢٤١).

<<  <   >  >>