للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الثاني: ذهب أبو حنيفة ورواية عن أحمد (١) إلى أن الحف أولى من القص.

واستدلوا لذلك بما روى البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﴿، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : «انْهَكُوا الشَّوَارِبَ، وَأَعْفُوا اللِّحَى».

وروى مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : «جُزُّوا الشَّوَارِبَ» (٢) وفي البخاري من حديث ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «خَالِفُوا المُشْرِكِينَ: وَوَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ» (٣).

وجه الدلالة من قوله : «انْهَكُوا الشَّوَارِبَ» وقوله : «جُزُّوا الشَّوَارِبَ» وقوله : «وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ»، ما قاله الحافظ ابن حجر: فَكُلُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِزَالَةِ لِأَنَّ الْجَزَّ وَهُوَ بِالْجِيمِ وَالزَّايِ الثَّقِيلَةِ قَصُّ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ الْجِلْدَ، وَالْإِحْفَاءُ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ الِاسْتِقْصَاءُ وَمِنْهُ «حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ: مَعْنَاهُ الْزَقُوا الْجَزَّ بِالْبَشَرَةِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ بِمَعْنَى الِاسْتِقْصَاءِ. وَالنَّهْكُ بِالنُّونِ وَالْكَافِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِزَالَةِ. وَمِنْهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْخِتَانِ قَوْلُهُ لِلْخَافِضَةِ: «أَشِمِّي وَلَا تُنْهِكِي» أَيْ لَا تُبَالِغِي فِي خِتَانِ الْمَرْأَةِ. وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ أهل اللُّغَة، وَقَالَ ابن بَطَّالٍ: النَّهْكُ التَّأْثِيرُ فِي الشَّيْءِ وَهُوَ غَيْرُ الِاسْتِئْصَالِ (٤).

وعن عُثْمَانَ بْن عُبَيْدِ اللهِ، أَنَّهُ رَأَى أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، وَسَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ، وَأَبَا أُسَيْدٍ الْبَدْرِيَّ، وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ﴾ يَأْخُذُونَ مِنَ الشَّوَارِبِ كَأَخْذِ الْحَلْقِ، وَيُعْفُونَ اللِّحَى، وَيَنْتِفُونَ الْآبَاطَ (٥).


(١) الفتاوى الهندية (٤/ ٢٣٠ - ٢٣١).
(٢) مسلم (٢٦٠).
(٣) البخاري (٥٨٩٢) و مسلم (٥٤)، (٢٥٩).
(٤) فتح الباري (١٠/ ٣٥٩)
(٥) أخرجه الطبراني (الكبير) (١/ ١٥١) وفي إسناده يحيى بن أيوب المصري: صدوق، وفي إسناده: عثمان بن عبيد الله بن رافع، قال الهيثمي: عثمان هذا لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح.

<<  <   >  >>