للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا بحديث أَنَسٍ، أَوْ عَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله «أَنَّهُمْ كَانُوا يَضَعُونَ جُنُوبَهُمْ فَيَنَامُونَ، مِنْهُمْ مَنْ يَتَوَضَّأُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَوَضَّأُ».

واستدلوا بحديث: «وجب الوضوء على كل نائم إلا من خفق خفقة برأسه» (١). فدل ذلك على أن النوم الثقيل يوجب الوضوء والنوم الخفيف لا يوجبه، وهذا القول يجمع بين الأدلة.

والراجح: أنه إذا زال العقل بنوم وأن المرء إذا أحدث في تلك الحالة لا يعلم، فهذا النوم الذي ينقض الوضوء، أما أول النوم وهو النعاس - وصفته أن المرء إذا كُلم فيه سمع وإن حُدث علم - فهذا لا ينقض الوضوء، وهذا القول يجمع بين الأدلة.

قال ابن حبان: الرُّقَادُ لَهُ بِدَايَةٌ وَنِهَايَةٌ، فَبِدَايَتُهُ النُّعَاسُ الَّذِي هُوَ أَوَائِلُ النَّوْمِ، وَصِفَتُهُ أَنَّ الْمَرْءَ إِذَا كُلِّمَ فِيهِ يَسْمَعُ، وَإِنْ أَحْدَثَ عَلِمَ، إِلَّا أَنَّهُ يَتَمَايَلُ تَمَايُلًا، وَنِهَايَتُهُ زَوَالُ الْعَقْلِ، وَصِفَتُهُ أَنَّ الْمَرْءَ إِذَا أَحْدَثَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَمْ يَعْلَمْ، وَإِنْ تَكَلَّمَ لَمْ يَفْهَمْ. فَالنُّعَاسُ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَى أَحَدٍ، قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، عَلَى أَيِّ حَالَةٍ كَانَ النَّاعِسُ، وَالنَّوْمُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَى مَنْ وُجِدَ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ كَانَ النَّائِمُ، عَلَى أَنَّ اسْمَ النَّوْمِ قَدْ يَقَعُ عَلَى النُّعَاسِ، وَالنُّعَاسُ عَلَى النَّوْمِ، وَمَعْنَاهُمَا مُخْتَلِفَانِ، وَالله فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ: ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ﴾ [البقرة: ٢٥٥] (٢).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَنَامُ حَتَّى يَنْفُخَ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ فَكَانَ يَقْظَانَ. فَلَوْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ لَشَعَرَ بِهِ. وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ بِحَدَثِ فِي نَفْسِهِ؛ إذْ لَوْ كَانَ حَدَثًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَرْقٌ بَيْنَ النَّبِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَحْدَاثِ (٣).

* * *


(١) أخرجه أبو يعلى (٣١٩٩) وهذا اللفظ ضعيف، وقد سبق.
(٢) صحيح ابن حبان (٣/ ٣٨٣).
(٣) «مجموع الفتاوى» (٢١/ ٢٢٩).

<<  <   >  >>