للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الآخر: ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن خروج القيء والرعاف حدث ناقض للوضوء (١)، واستدلوا بما روى الترمذي عَنْ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ النَّبِيَّ قَاءَ فَأَفْطَرَ. قَالَ: فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وَضُوءه (٢).

وجه الدلالة: (أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وَضُوءه) يدل على أن القيء ينقض الوضوء.

واعترض عليه بما قاله ابن المنذر: وَلَيْسَ يَخْلُو هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا أو غيرَ ثابتٍ: فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ تَوَضَّأَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْوُضُوءِ مِنْهُ؛ كَمَا أَمَرَ بِالْوُضُوءِ مِنْ سَائِرِ الْأَحْدَاثِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ثَابِتٌ فَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ أَنْ يَجِبَ فِيهِ فَرْضٌ.

وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله : «مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلَسٌ أَوْ مَذْيٌ، فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ».

واعترض: بأنه لا يصح (٣).


(١) بدائع الصنائع (١/ ٢٤) وكشاف القناع (١/ ١٢٤) والفروع (١/ ١٧٦).
(٢) إسناده حسن: أخرجه الترمذي (٨٧) وقد توسعت في تخريجه في كتاب الجامع العام في فقه الصيام (١٥١).
(٣) مدار هذا الحديث على إسماعيل بن عياش واختلف عليه: (١) فروى إسماعيل، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة به. أخرجه ابن ماجه (١٢٢١) (٢) ورواه الوليد ابن مسلم عن إسماعيل عن ابن جريج عن أبيه عن عائشة به كما في (السنن الكبرى) للبيهقي (١/ ١٤٢) (٣) ورواه داود بن رشيد عن إسماعيل عن ابن جريج عن أبيه وابن أبي مليكة، أخرجه الدارقطني (١/ ١٥٣/ ١٥٤) (٤) ورواه الربيع بن نافع عن إسماعيل عن ابن جريج عن أبيه مرسلًا كما في الدارقطني (١/ ١٥٤).
ولهذا الحديث ثلاث علل:
الأولى: أن مدار الحديث على إسماعيل وهو ضعيف عن غير أهل الشام وابن جريج من أهل الحجاز.
الثانية: أن إسماعيل مع ضعفه فقد اختلف عليه ألوانًا مما يزيده ضعفًا.
الثالثة: أن أصحاب ابن جريج قد خالفوا إسماعيل فرووا الحديث مرسلًا وهو الصحيح فروى (عبد الرزاق) وأبو عاصم، ومحمد بن عبد الله الأنصاري وغيرهم عن ابن جريج عن أبيه مرسلًا، كما فى المصنف (٣٦١٨) وسنن الدارقطني (١/ ١٥٥) والبيهقي (١/ ١٤٢) وقد رجح أبوحاتم الإرسال كما في العلل (١/ ٣١)، وقال الدارقطني (١/ ١٥٤): أصحاب ابن جريج الحفاظ عنه يروونه عن ابن جريج عن أبيه مرسلًا، وكذا رجح البيهقي كما في السنن الكبرى (٢/ ٢٥٥).

<<  <   >  >>