للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الثاني: ذهب مالك في رواية إلى أنه لا يجوز المسح على الجوربين مطلقًا (١).

واستدل بأن الأصل هو غسل الرجلين وهو ظاهر القرآن.

واعترض على هذا الاستدلال من وجوه:

الأول: أننا نفهم القرآن والسنة بفهم الصحابة، والصحابة مسحوا على الجوربين.

قال ابن القيم: الذين سمعوا القرآن من النبي وعرفوا تأويله مسحوا على الجوربين، وهم أعلم الأمة بظاهر القرآن ومراد الله منه (٢).

الثاني: إذا ثبت المسح على الخفين مع عدم التعارض مع القرآن، ثبت المسح على الجوربين إذ لا فرق، فالخف ما يُلبس في الرجل من الجلد، والجورب ما يُلبس في الرجل من صوف، والشريعة لا تفرق بين متماثلين.

الثالث: إذا كانت الحكمة من المسح على الخفين هي رفع الحرج والمشقة والعنت فهي أَوْلى في المسح على الجوربين لأنها أكثر استعمالًا وأوسع انتشارًا.

فلذا يجوز المسح على الجوربين.

أما دليلهم من القياس فقالوا: فإذا ثبت المسح على الخفين ثبت المسح على الجوربين إذ لا فرق، فالخف ما يُلبس في الرجل من الجلد، والجورب ما يُلبس في الرجل من صوف، والشريعة لا تفرق بين متماثلين.

يقول شيخ الإسلام: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ إذَا كَانَ يَمْشِي فِيهِمَا، سَوَاءٌ كَانَتْ مُجَلَّدَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ، فِي أَصَحِّ قَوْلَي الْعُلَمَاءِ، فَفِي السُّنَنِ: أَنَّ النَّبِيَّ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ فَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ إنَّمَا هُوَ كَوْنُ هَذَا مِنْ صُوفٍ وَهَذَا مِنْ جُلُودٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْفَرْقِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الشَّرِيعَةِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ جُلُودًا أَوْ قُطْنًا أَوْ كَتَّانًا أَوْ صُوفًا، كَمَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ سَوَادِ اللِّبَاسِ فِي الْإِحْرَامِ وَبَيَاضِهِ وَمَحْظُورِهِ وَمُبَاحِهِ، وَغَايَتُهُ أَنَّ الْجِلْدَ


(١) المدونة (١/ ١٤٣) التمهيد (١١/ ١٥٧).
(٢) تهذيب السنن (١/ ١٢٣).

<<  <   >  >>