للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النجاسة ولم تغيره، وبأن منطوق: «إن الْمَاء لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» بالرغم مما يلقى فيها من النتن ولم يغير أوصافه الثلاثة، وهذا سيشمل القليل والكثير، وإذا تعارض المفهوم والمنطوق، قُدم المنطوق على المفهوم، والمعنى الصحيح للحديث: أنه إذا كان الماء قليلًا دون القلتين فإن أقل نجاسة تغيره ويحمل الخبث، وإذا كان أكثر من قلتين فإنه يكون له القدرة على مدافعة النجاسة، والأصل في الماء قليلًا كان أو كثيرًا أنه لا ينجس إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة.

واستدلوا بأن الماء الراكد إذا لاقته نجاسة فإنه ينجس وإن لم يتغير؛ لما ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة ، أنه سمع رسول الله يقول: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ».

ففي الحديث نهي عن الاغتسال في المال الدائم الذي بال فيه وقد يتغير وقد لا يتغير، فلما يشترط التغير، دل ذلك على أن الماء إذا كان قليلًا فإنه لا يشترط التغير.

واعترض عليه بأن النبي نهى عن الاغتسال في الماء الدائم الذي بال فيه؛ لأنه ينجس بذلك، وكذلك لأنه قد يوسوس من اغتسل في الماء الذي يبول فيه.

وأما الظاهرية فأخذوا بظاهر النص بمنع البول في الماء الراكد، وجوزوا أن يبول في إناء ثم يُصب في الماء. قال النووي: وهذا مذهب عجيب وفي غاية الفساد.

واستدلوا بما روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مِرَارٍ» (١).


(١) زيادة (فليرقه) شاذة؛ فمدار الحديث على الأعمش، واختلف عليه:
١ - فرواه علي بن مسهر، عن الأعمش، عن أبي رزين، وأبي صالح، عن أبي هريرة به.
وخالف علي بن مسهر جماعة فرووه بدون زيادة: فليرقه، فرواه: إسماعيل بن زكريا عند مسلم (٢٧٩)، وأبو معاوية عند أحمد (٢/ ٢٥٣)، وعبد الرحمن بن حميد عند الطبراني «الصغير» (١/ ١٦٤) وغيرهم، كلهم رووه عن الأعمش، عن أبي رزين، وأبي صالح، عن أبي هريرة به، بدون زيادة: فليرقه.
ورواه (أبو أسامة عند ابن أبي شيبة (١٤/ ٢٠٤)، وجرير عند إسحاق بن راهويه (١/ ٢٨٣)، وأبان بن تغلب عند الطبراني «المعجم الصغير» (٢/ ١٤٩) وغيرهم، كلهم رووه عن الأعمش، عن أبي رزين، عن أبي هريرة بدون زيادة: فليرقه، فهؤلاء (إسماعيل بن زكريا، وأبو معاوية، وشعبة، وأبو أسامة، وجرير، وحفص بن غياث وغيرهم من الثقات الأثبات - رووا الحديث عن الأعمش بدون زيادة: فليرقه، وخالفهم: علي بن مسهر فتفرد بزيادة: فليرقه، فهي شاذة، قال النسائي «السنن» (١/ ٥٣): لا أعلم أحدًا تابع على بن مسهر على قوله: فليرقه، قال ابن عبد البر «التمهيد» (١٨/ ٢٧٣): وأما هذا اللفظ من حديث الأعمش (فليهرقه) فلم يذكره أصحاب الأعمش الثقات الحفاظ، مثل شعبة وغيره. وقال الحافظ في ترجمة علي بن مسهر: ثقة له غرائب بعد أن أضر. قلت: لعل هذه من غرائبه.
ومما يدل على شذوذ هذه الرواية رواية جماعة عن أبي هريرة من غير طريق الأعمش، بدون زيادة: فليرقه، منهم: محمد بن سيرين عند مسلم (٢٧٩) وغيره، والأعرج عند مسلم (٢٧٩)، وأحمد (٢/ ٢٤٥) وهمام بن منبه عند مسلم (٢٧٩)، وأحمد (٢/ ٣١٤) وغيرهما، وعبد الرحمن بن أبي عمرة عند أحمد (٢/ ٣٦٠) وغيره، وأبو سلمة عند عبد الرزاق (٣٣٥) وغيره، وأبو رافع عند النسائي «الصغرى» (٣٣٨) وغيره، وعطاء بن يسار عند الطبراني «الأوسط» (٣٧١٩)، وعبيد بن حنين عند أحمد (٢/ ٣٩٨)، وثابت مولى عبد الرحمن بن زيد عند عبد الرزاق (٣٣٥)، وأحمد (٢/ ٢٧١) وغيرهما، والحسن عند الدارقطني (١/ ٦٤)، كل هؤلاء بدون زيادة: فليرقه، فهذه الزيادة بلا شك شاذة، والله أعلم.

<<  <   >  >>