للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَمْسَحُ، وَهُوَ يُفِيضُ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ؟! (١).

وقال ابن رجب: وأما القول بأنه لا يمسح رأسه، بل يصب عليه الماء صبًّا، ويكتفي بذلك عن مسحه وغسله للجنابة، فهذا قد وَروي صريحًا عن ابن عمر ﴿ونص عليه إسحاق بن راهويه، نقله عنه حرب.

وقال الكاساني: وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَمْسَحُ لِأَنَّ تَسْيِيلَ الْمَاءِ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ يُبْطِلُ مَعْنَى الْمَسْحِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ (٢).

القول الآخر: يمسح الرأس في وضوء الغسل، وهو قول الجمهور (٣).

واستدلوا بما رُوي في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، غَسَلَ يَدَيْهِ، وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدِهِ شَعَرَهُ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ، أَفَاضَ عَلَيْهِ المَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ (٤).

قولها: (وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) أي الوضوء الكامل بما فيه مسح الرأس. واعترض عليه بأن هذا مجمل، فيُحمل حديث عائشة «توضأ وضوءه للصلاة» أنه غسل رأسه كما هو مبين في حديث ميمونة أنه غسل وجهه ويديه ثم أفاض على جسده، ثم تحول من مكانه فغسل قدميه.

والراجح: أن السنة غسل الرأس في وضوء الغسل؛ لأن في حديث ميمونة أنه غسل وجهه ويديه ثم أفاض على جسده، فبعد غسل اليدين أفاض على جسده أي: غسل رأسه ثم غسل قدميه، وقد رُوي عن الحسن عن أبي حنيفة أن تسييل الماء عليه بعد ذلك يبطل المسح، فلم يكن فيه فائدة، والله أعلم.


(١) مسائل أبي داود (١٣٦).
(٢) بدائع الصانع (١/ ٣٥).
(٣) بدائع الصنائع (١/ ٣٥)، حاشية الدسوقي (١/ ١٣٧)، مغني المحتاج (١/ ٧٣)، كشاف القناع (١/ ١٥٢)، المغني (١/ ٢٨٧).
(٤) البخاري (٢٧٢) ومسلم (٣١٦).

<<  <   >  >>