للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكل هذا يدل على أن عائشة كانت مُفْرِدة بالحج وأنها نقضت عمرتها وإن اعتمرت بعد الانتهاء من الحج وذهبت إلى التنعيم مع عبد الرحمن واعتمرت بعد ذلك، وقال النبي : «هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ».

واعترض على هذه الاستدلالات من وجهين:

الوجه الأول: أعل بعض أهل العلم لفظة: ارْفُضِي عُمْرَتِكِ أو دَعِي الْعُمْرَةَ.

قال ابن قدامة: فَأَمَّا حَدِيثُ عُرْوَةَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: «اُنْقُضِي رَأْسَك، وَامْتَشِطِي، وَدَعِي الْعُمْرَةَ». انْفَرَدَ بِهِ عُرْوَةُ، وَخَالَفَ بِهِ سَائِرَ مَنْ رَوَى عَنْ عَائِشَةَ حِينَ حَاضَتْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ، وَالْقَاسِمِ، وَالْأَسْوَدِ، وَعَمْرَةَ وَعَائِشَةَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ. وَحَدِيثُ جَابِرٍ، وَطَاوُسٍ مُخَالِفَانِ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ. وَقَدْ رَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، حَدِيثَ حَيْضِهَا، فَقَالَ فِيهِ: حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ، أَنَّ رَسُولَ الله قَالَ لَهَا: «دَعِي الْعُمْرَة، وَانْقُضِي رَأْسَك، وَامْتَشِطِي». وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ (١).

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُرْوَةَ لَمْ يَسْمَعْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ عَائِشَةَ، وَهُوَ مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مُخَالَفَتِهِ بَقِيَّةَ الرُّوَاةِ، يَدُلُّ عَلَى الْوَهْمِ، مَعَ مُخَالَفَتِهَا الْكِتَابَ وَالْأُصُولَ، إذْ لَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ آخَرُ يَجُوزُ فِيهِ رَفْضُ الْعُمْرَةِ مَعَ إمْكَانِ إتْمَامِهَا.

وقال ابن القيم: تَعْلِيلُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَرَدُّهَا بِأَنَّ عروة انْفَرَدَ بِهَا، وَخَالَفَ بِهَا سَائِرَ الرُّوَاةِ، وَقَدْ رَوَى حَدِيثَهَا طَاوُوسٌ والقاسم والأسود وَغَيْرُهُمْ، فَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذِهِ اللَّفْظَةَ (٢).

قلت: وقد تابع عروة القاسم كما في الموطأ؛ لأن رسول الله قال: «انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ» (٣).

الوجه الثاني: ما قاله ابن عبد البر: جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِنَا تَأَوَّلُوا قَوْلَهُ وَدَعِي الْعُمْرَةَ وَدَعِي عَمَلَ الْعُمْرَةِ يَعْنِي الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَكَذَلِكَ تَأَوَّلُوا فِي رِوَايَةِ مَنْ


(١) «المغني» (٥/ ٣٦٩، ٣٧٠).
(٢) «زاد المعاد» (٢/ ١٦٩).
(٣) «الموطأ» (١/ ٤١٠).

<<  <   >  >>