للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال النووي: وَالدَّلَائِلُ عَلَى نَجَاسَةِ الدَّمِ مُتَظَاهِرَةٌ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ طَاهِرٌ. وَلَكِنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ (١).

قال ابن حجر: الدم نجس اتفاقًا (٢).

قال القرطبي: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الدَّمَ حَرَامٌ نَجِسٌ (٣).

ومع أن الأئمة يرون نجاسة الدم إلا أنهم يرون العفو عن يسير الدم، أما الدم المسفوح فنجس.

قال ابن عبد البر: وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الدَّمَ الْمَسْفُوحَ رِجْسٌ نَجِسٌ، إِلَّا أَنَّ الْمَسْفُوحَ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ الْجَارِي فِي اللُّغَةِ فَإِنَّ الْمَعْنَى فِيهِ فِي الشَّرِيعَةِ الْكَثِيرُ، إِذِ الْقَلِيلُ لَا يَكُونُ جَارِيًا مَسْفُوحًا، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنَ الدَّمِ الْجَارِي نُقْطَةٌ فِي ثَوْبٍ أَوْ بَدَنٍ لَمْ يَكُنْ حُكْمُهَا حُكْمَ الْمَسْفُوحِ الْكَثِيرِ وَكَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْقَلِيلِ، وَلَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى أَصْلِهَا فِي اللُّغَةِ (٤).

واستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إلى مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ [الأنعام: ١٤٥].

وجه الدلالة: ﴿فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾، أي: نجس.

واعترض عليه بأن معنى: ﴿رِجْسٌ﴾، حرام.

وأجيب عنه: بأن أول الآية: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إلى مُحَرَّمًا﴾ يدل على التحريم؛ فإن معنى رجس مغاير للتحريم، ويكون معنى رجس: نجسًا؛ ليدل على معنى جديد.

قالوا: إذا كان معنى: ﴿رِجْسٌ﴾، أي: نجس، ولكن نجاسة معنوية.


(١) «المجموع» (٢/ ٥١١).
(٢) «فتح الباري» (١/ ٣٥٢).
(٣) «تفسير القرطبي» (٢/ ٢٢٢)
(٤) «التمهيد» (٢٢/ ٢٣٠).

<<  <   >  >>