للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا لذلك بحديث عمار، قَالَ: مَرَّ بِي رَسُولُ اللهِ وَأَنَا أَسْقِي نَاقَةً لِي، فَتَنَخَّمْتُ، فَأَصَابَتْ نُخَامَتِي ثَوْبِي، فَأَقْبَلْتُ أَغْسِلُ ثَوْبِي مِنَ الرِّكْوَةِ الَّتِي بَيْنَ يَدَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ : «يَا عَمَّارُ، مَا نُخَامَتُكَ وَلَا دُمُوعُ عَيْنَيْكَ إِلاَّ بِمَنْزِلَةِ المَاءِ الَّذِي فِي رِكْوَتِكَ، إِنَّمَا تَغْسِلُ ثَوْبَكَ مِنَ البَوْلِ وَالغَائِطِ وَالمَنِيِّ مِنَ المَاءِ الأَعْظَمِ وَالدَّمِ وَالقَيْءِ»، فدل ذلك على أن القيء ينقض الوضوء، وهو نجس. واعترض عليه بأن هذا الحديث باطل.

واستدلوا بحديث أبي الدرداء أَنَّ رَسُولَ الله قَاءَ فَأَفْطَرَ، فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: أَنَا صَبَبْتُ لِرَسُولِ الله وَضُوءَهُ (١). قالوا: إن القيء إذا كان ينقض الوضوء فهو نجس.

واعترض على هذا الاستدلال من وجوه:

الأول: أن القيء مختلف في نقضه للوضوء، والراجح أنه لا ينقض الوضوء.

الثاني: لو قلنا: إن القيء ينقض الوضوء، فليس كل ناقض للوضوء نجسًا، فأكل لحم الجزور ينقض الوضوء وهو طاهر بالإجماع، وكذا الريح طاهر وهو ناقض الوضوء.

الثالث: أن القيء مما تبتلى به الأمهات، ويكثر من الأطفال، ولو كان هذا القيء نجسًا لبينه النبي لأمته، ونقله لنا أمهات المؤمنين وصحابة النبي الأمين ؛ لأن هذا الفعل يكثر ويتكرر وقوعه، فلما لم يُحفظ دليل على نجاسته عُلم أنه طاهر، إذ إن الأصل الطهارة، والله أعلم.

* * *


(١) سيأتي تخريج هذا الحديث في نواقض الوضوء.

<<  <   >  >>