لقد أوشكَتْ الزهراء أنْ تَنْشأَ نشأةَ الطفل الوحيد في دار أبويها، لأنها لم تجد معها غيرَ أُختٍ واحدةٍ ليست من سِنِّها، وغيرَ أخيها من أمها هند بنِ أبي هالة ...
وأوشَكَتْ عُزْلَةُ الطفلة الوحيدة أن تكبُرَ معها، لأنها لم تكُنْ تسمَعُ عن ذُكرَيات إخوتها الكبار إلا ما يُحزِن ويُشغِل: ماتوا صغاراً، وخلَّفوا في نفوس الأبوين لَوْعَةً كَامِنَةً، وصَبْرَاً مَرِيرَاً .... مع زواج الأختين الكبيرتين ...
لقد لَقِيَتْ مِن والدِها حَنَانَاً كَبِيراً، والحَنَانُ على الصُّغْرَى مِن الذرِّيةِ بعد فِراقِ الذُّرِّيَةِ كلِّها بالموت أو بالرحلة، حَنَانٌ لَعَمْرُ الحقِّ صابرٌ حَزِيْنٌ.
ولقد نَعِمَتْ الزهراءُ بهذا الحنَانِ مِن قَلْبَيْنِ كَبِيْرَيْنِ: حَنَانٌ أحرَى بِهِ أنْ يُعَلِّمَ الوقَارَ، ولا يُعلِّمَ الخِفَّةَ والمَرَحَ والانْطِلاق). (١)
ووصفت الأديبة: عائشة بنت الشاطئ نشأتَها بأنها: هجَرَتْ في صِباها ملاعب أترَابها ولِدَاتِها، وأدركَتْ عِظَمَ مسؤوليةِ والدِها - صلى الله عليه وسلم - بعد أنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمين.
هجَرَتْ ملاعبَ الصِّبا، وانتبذَتْ مِن صَواحِبِهَا مَكَاناً قريباً من أبيها في
(١) «فاطمة الزهراء» للعقاد (ص ٢٣ ـ ٢٦). بتصرف يسير.