للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من مشاهير الأبطال، وأخيار الأمة، إلا أنهم كانوا يأنفون من تشييد قبور الأموات، وتعظيم الرفات؛ لتحقُّقِهم النهي الصريح عن ذلك من صاحب الشريعة الغراء الحنيفية السمحة، التي جاءت لاستئصال شأفة الوثنية، ومحو آثار التعظيم للرفات، أو العكوف على قبور الأموات، ويرون أن خير القبور الدوارس، وأنَّ أشرف الذكر في أشرف الأعمال؛ لهذا اختفَتْ عمن أتى بعد جيلهم ذلك قبورُ كبار الصحابة، وجِلَّة المجاهدين إلا ما ندر، ثم اختلفتْ نقلة الأخبار في تعيين أمكنتها باختلاف الرواة، وتضارب ظنون الناقلين، ولو كان في صدرِ الإسلام أثَرٌ لتعظيم القبور والاحتفاظ على أماكن الأموات بتشييد القباب والمساجد عليها، لما كان شئٌ من هذا الاختلاف، ولما غابتْ عنَّا إلى الآن قبورُ أولئك الصحابة الكرام، كما لم تغب قبور الدجاجلة والمتمشيخين التي ابتدعها بعد العصور الأولى مبتدعة المسلمين، وخالفوا فِعْلَ الصحابةِ والتابعين، حتَّى باتَتْ أكثرُ هذه القباب تُمَثِّلُ هياكل الأقدمين، وتُعيد سيرةَ الوثنية بأقبحِ أنواعها، وأبعَدِ منازِعِها عن الحق، وأقربها من الشرك. (١)

ولو اعتبرَ المسلمونَ بعدُ باختفاءِ قبورِ الصحابةِ الذين عنهم أخذُوا هذا


(١) أقول: بل كثير منها الآن شركٌ أكبر مُخرِج من المِلَّة، لأنهم صرفوا لها مالا يُصرف إلا للهِ تعالى، من دعائها من دون اللَّه، والطوافِ بها، والنذر لها، والذبح عندها، واعتقاد أنها تملك نفعاً أو ضُراً ـ ولا حول ولاقوة إلا باللَّه العلي العظيم ـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>