قال ابن عبدالبر (ت ٤٦٣ هـ) - رحمه الله -: (وكيف يسوغ لمسلم أن يظن بأبي بكر - رضي الله عنه - منع فاطمة ميراثها من أبيها، وهو يعلم بنقل الكافة أنَّ أبا بكر كان يعطي الأحمر والأسود حقوقَهم، ولم يستأثرْ من مالِ اللَّهِ لنفسِه، ولا لبَنِيه، ولا لأحدٍ من عشيرته بشيء؛ وإنما أجراه مجرى الصدقة؟ !
أليس يستحيل في العقول أن يمنع فاطمةَ ويردَّه على سائر المسلمين، وقد أمرَ بنِيهِ أن يردوا ما زاد في مالِه منذ ولي على المسلمين، وقال إنما كان لنا من أموالهم ما أكلنا من طعامهم، ولبسنا على ظهورنا من ثيابهم؟ !
وروى أبو ضمرة أنس بن عياض، عن عبيداللَّه بن عمر، عن ... عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أنَّ أبا بكر لما حضرته الوفاة، قال لعائشة:«ليس عند آل أبي بكر من هذا المال شيءٌ إلا هذه اللقمة، والغلام الصيقل كان يعمل سيوف المسلمين ويخدمنا، فإذا مِتُّ فادفعيه إلى عمر».
فلما مات دفعته إلى عمر، فقال عمر - رضي الله عنه -: رحم اللَّه أبا بكر لقد أتعب من بعده ... ). (١)
وإنَّ امتناع أبي بكر من توريث النبي - صلى الله عليه وسلم - للحديث الوارد، مع استفادته من دخول ابنته عائشة في الميراث، ونيل الشرف بذلك؛ لَدَليلٌ على كمال دينِه وخوفِه من اللَّه - تبارك وتعالى -، وتعظيمِ أوامر اللَّهِ - جل وعلا - ...
(١) «التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد» (٨/ ١٧١ ـ ١٧٢).