فإن كانا سمعاه من النبي - صلى الله عليه وسلم - فكيف يطلبانه من أبي بكر؟ ! وإن كانا إنما سمعاه من أبي بكر أو في زمنه بحيث أفاد عندهما العلم بذلك، فكيف يطلبانه بعد ذلك من عمر؟ !
والذي يظهر ــ واللَّه أعلم ـ حمل الأمر في ذلك على ما تقدم في الحديث الذي قبله في حق فاطمة، وأن كلا من علي وفاطمة والعباس اعتقد أن عموم قوله: «لا نورث» مخصوصٌ ببعض ما يخلِّفُهُ دون بعض؛ ولذلك نسب عمر إلى علي وعباس أنهما كانا يعتقدان ظلم من خالفهما في ذلك. وأما مخاصمة علي وعباس بعد ذلك ثانياً عند عمر، فقال إسماعيل القاضي فيما رواه الدارقطني من طريقه: لم يكن في الميراث، إنما تنازعا في ولاية الصدقة، وفي صرفها كيف تُصرف. كذا قال، لكن في رواية النسائي، وعمر بن شبة، من طريق أبي البختري ما يدل على أنهما أرادا أن يَقسِمَ بينهما على سبيل الميراث، ولفظه في آخره: ثم جئتُمَاني الآن تختصمان يقول هذا: أريد نصيبي من ابن أخي، ويقول هذا: أريد نصيبي من امرأتي! واللَّه لا أقضي بينكما إلا بذلك. أي: إلا بما تقدم من تسليمها لهما على سبيل الولاية. وكذا وقع عند «النسائي» من طريق عكرمة بن خالد، عن مالك بن أوس، نحوه. وفي «السنن» لأبي داود، وغيره: أرادا أن عمر يقسمها لينفرد كل منهما بنظر ما يتولاه، فامتنع عمرُ من ذلك، وأراد أن لا يقع عليها اسم قَسْمٍ، ولذلك أقسَمَ على ذلك؛ وعلى هذا اقتصر أكثر الشرَّاح واستحسنوه. وفيه من النظر ما تقدَّم، وأعجب من ذلك جزْمُ ابنِ الجوزي ثم الشيخ محيي الدين بأن علياً وعباساً لم يطلبا من عمر إلا ذلك، مع أن السياق صريح في أنهما جاءاه مرتين في طلب شيءٍ واحد، لكن العذر لابن الجوزي والنووي أنهما شرحا اللفظ الوارد في «مسلم» دون اللفظ الوارد في «البخاري»، واللَّه أعلم. وأما قول عمر: «جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك» فإنما عبَّر بذلك لبيان قسمة الميراث كيف يُقسم أن لو كان هناك ميراث، لا أنه أراد الغض منهما بهذا الكلام ... ). انتهى كلام ابن حجر - رحمه الله -. هذا، وقد استظهر الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - كما في «التعليق على صحيح البخاري» ... ـ ط. مؤسسة الشيخ ـ (٨/ ١١٥) رقم (٤٠٣٣) أن الطلب ليس للميراث، وإنما أن يأخذا منها النفقة لأهليهما، والباقي يعملان فيهما، ولا يُعتبر هذا إرثاً.