أقول: ومن خلال إيراد معنى الهجر وهو تَرْكُ الوَصْل، فأي وَصْلٍ كان بين أبي بكر وفاطمة ـ وهما أجنبيان ـ؟ !
لم يكن بينهما إلا ماترفعه من طلبات:(الميراث، وتولي علي الصدقات، وغير ذلك)، وقد تركت ذلك وحزنت لعدم حصول مرادها، هذا هو الهجر المراد من قول عائشة - رضي الله عنهم -.
أما عدم السلام والكلام عند التلاقي؛ فهذا مالم يحصل قطعاً، وإنما حصل ترك الطلبات، وانقباضها مع عتَبِها وحُزنِها، وانشغالها بمرضها الذي لم يطل، وليس ذلك كله من الهجر المحرم، وفاطمة أعقل وأكمل ديناً وأعلم بما روي من تحريم الهجر بين المسلمين.
وسبق ذكر أنها كانت تتولى رفع طلباتها وما يعرض لها، خاصة مع مَوجِدة علي ـ التي ذكرها عند المصالحة ـ، ووجَاهَة فاطمة، ومعرفة الجميع إجلال الصحابة وفي مقدمتهم الخليفةُ الراشدُ الصادقُ البارُّ أبو بكر لفاطمة وآلِ البيت - رضي الله عنهم -.
ومهما قيل في الباب، فإن أبا بكر لم يتعدَّ، ولم يفرِّط، ولم يقصِّر، ولم ينفرد بالرأي فيما ذهبَ إليه، بل هو رأيُ عامَّةِ الصحابةِ، وقد امتثلَ - رضي الله عنه - أمر ربه - عز وجل -، واستجابَ لنبيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - بأنَّ الأنبياء لا يُورَثون، ومع امتثاله لذلك؛ ومنعه فاطمة ما طلبَتْ من الإرث، إلا أنه أكرمَها وأكرمَ آلَ البيت