إذاعرفت هذا كله فاعلم أن في المقام أبحاثاً عديدة: - الأول: أنه ماذا أريد من كون العقيقة في الجاهلية وكونها متروكة مرفوضة في الإِسلام؟ إن أريد أنها كانت واجبة ولازمة في الجاهلية وكان أهل الجاهلية يوجبونها على أنفسهم فلما جاء الإِسلام رفض وجوبه ولزومه فهذا لا يدل على نفي الاستحباب أو المشروعية أو السنية، بل على نفي الضرورة فحسب، وهو غير مستلزم لعدم المشروعية أو الكراهة، وإن أريد أنها كانت في الجاهلية مستحبة أو مشروعة، فلما جاء الإِسلام رفض استحبابها وشرعيتها، فهو غير مسلّم. فهذه كتب الحديث المعتبرة مملوءة من أحاديث شرعية العقيقة واستحبابها، كما ذكرنا نُبَذاً منها. - الثاني: الأحاديث الدالة على واستحبابها وشرعيتها، لا شك أنها واقعة في الإِسلام وهي معارضة لما بلغه من قول النخعي وابن الحنفية، ومن المعلوم أن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أحق بالأخذ من قول غيره كائناً من كان. - الثالث: أنه لو كان مطلق مشروعية العقيقة مرتفعة عن الإِسلام لَمَا عقّ النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين، فإن ادَّعى أن ذلك كان في بدء الإِسلام احتيج إلى ذكر ما يدل على رفع كونه مشروعاً بعد ما كان مشروعاً في الإِسلام وإذ ليس فليس. - الرابع: أنه لو كانت مشروعيتها المطلقة مرتفعة لما اختارها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعده، وقد اختاروها كما مرّ من رواية نافع عن ابن عمر، وفي "موطأ يحيى": مالك عن هشام بن عروة أن أباه عروة بن الزبير كان يعقّ عن بنيه الذكور والإِناث بشاة شاة. - والخامس: أن مراد ابن الحنفية وإبراهيم من كون العقيقة مرفوضة يحتمل أن يكون رفض عقيقة الجاهلية فإنهم كانوا يذبحون ذبيحة ويلطِّخون صوفه في دمه، ويضعونها على رأس الصبي حتى تسيل عليه قطرات الدم، فلما جاء الإِسلام أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلوا مكان الدم بزعفران ونحوه، وعلى هذا لا يدل كلامهما على نفي مشروعيتهما المطلقة بل على نفي الطريقة الخاصة.