قيل: أليس مالكٌ تكلَّم بالرأي؟ قال: بلى، ولكن أبو حنيفة أكثَرُ رأياً منه، قيل: فهلاَّ تكلَّمتم في هذا بحصته وهذا بحصته؟ فسكت أحمد.
قال أبو عمر: ولم نجد أحداً من علماء الأمة أثبَتَ حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رَدَّه إلاَّ بحُجَّة، كادِّعاءِ نسخ بأثرٍ مِثلِه، أو بإجماع، أو بعملٍ يجبُ على أصلِهِ الانقيادُ إليه، أو طعنٍ في سند. ولو رَدَّهُ أحدٌ من غير حجة لسقطَتْ عدالتُه فضلاً عن إمامتِه، ولَزِمَهُ اسمُ الفِسْق، ولقد عافاهم الله من ذلك.
ولقد جاء عن الصحابة رضي الله عنهم من اجتهاد الرأي والقولِ بالقياس على الأصول، ما يطولُ ذكرُه، وكذلك التابعون. وعدَّدَ ابنُ عبد البر منهم خلقاً كثيرين.
انتهى كلامُ ابن عبد البر، وفيه جوابٌ شافٍ عن ذلك القَدْح. والحاصلُ أنَّ أبا حنيفة لم ينفرد بالقولِ بالقياس، بل على ذلك عمَلُ فقهاء الأمصار كما قاله ابن عبد البر، وبَسَط الكلامَ عليه رَدَّاً على من جَهِلَ فجعَلَ ذلك عَيْباً". انتهى كلام ابن حجر الهَيْتَمي.
وهذا القَدْرُ من كلام الإمامين: ابنِ حجر المكي الشافعي، ابن عبد البر الأندلسي المالكي - إلى جانب كلام الإمام ابن تيمية الحَرَّاني الحنبلى - كافٍ في تجليةِ رَدِّ جرح الراوي بالعمل بالرأي، والله سبحانه وتعالى أعلم.
[كلمات في ترجمة الشارح الإمام اللكنوي:]
- ترجَمَ الإمام اللكنوي رحمه الله تعالى لنفسه، في ستة كتب من كبار تآليفه، في خاتمة " النافع الكبير لمن يطالع الجامع الصغير"، وفي مقدمة كتابه هذا: "التعليق الممجد" في آخر الفائدة التاسعة، وفي مقدمة "السعاية لكشف ما في شرح الوقاية"، وفي مقدمة "عمدة الرعاية لحل شرح الوقاية"، وفي "التعليقات السَّنِيَّة على الفوائد البهية"، وفي مقدمة "الهداية" للإمام المَرْغِيناني.
وقد جمعتُ له ترجمةً مطولة مستفيضة من هذه الكتب الستة، وأثتبُّها في أول كتابه "الرفع والتكميل في الجرح والتعديل"، الذي خدمتُه في طبَعاته الثلاث، وأوفاها ترجمةً له في الطبعة الثالثة، كما ترجمتُ له بتراجم منقولة عن بعض معاصريه أو تلامذته، ومنها الترجمة في أول كتابه "الأجوبة الفاضلة عن الأسئلة العشرة الكاملة"، في مباحث هامة شائكة من علوم مصطلح الحديث الشريف. ومنها في أول كتابه "تحفة الأخيار بإحياء سُنَّة سيد الأبرار" - صلى الله عليه وسلم - الذي قريب الصدور إن شاء الله تعالى.