ثم كان أفقَههم في زمانه إبراهيمُ النخعي؟؟، كان فيهم بمنزلة سعيد بن المسيب في أهل المدينة، وكان يقول: إني لأسمعُ الحديث الواحد، فأقِيسُ به مئة حديث. ولم يكن يَخرج عن قول عبد لله وأصحابه. وكان الشعبيُّ أعلم بالآثار منه. وأهلُ المدينةِ أعلمُ بالسنةِ منهم.
وقد يوجد لقدماء الكوفيين أقاويلُ متعددة، فيها مخالفةٌ لسنة لم تبلغهم، ولم يكونوا مع ذلك مطعوناً فيهم، ولا كانوا مذمومين، بل لهم من الإسلام مكانٌ لا يخفى على من عَلِمَ سيرة السلف، وذلك لأن مثل هذا قد وُجِدَ لأصحاب رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، لأن الإحاطة بالسنَّة كالمتعذر على الواحِد أو النفرِ من العلماء. ومَنْ خالف ما لم يبلغه فهو معذور". انتهى.
قال عبد الفتاح: ولله دَرُّ الإمام ابن تيمية كيف جَلَّى هذه المسألة، واستوفاها ورَدَّ قول الجارح بها بمتانة وإقناع. وبهذه البيان الشافي الوافي يتبيَّنُ أن جرح الراوي بأنه (من أهل الرأي) مردود، ولا يصح غمزُ الثقات الأثبات والأعلام الكبار به.
تحجُّر الرواة وضيقهم من المشتغل بغير الحديث:
- ومأتى جَرحهم الراوي بهذا الجرح المردود: أنه كانت هِمّةُ أكثر أهل الحديث متوجهة إلى الرواية والسماع، ويرفضون النظر في المآخذ والمدارك، كما أشار إليه الشيخ القاسمي رحمه الله تعالى فيما تقدم من كلامه.
بل كان أولئك الرواة يَرون العلم كل العلم رواية الحديث ومتناً لا بحثاً وفقياً، ويرون إعمال الرأي في فهم الأثر خروجاً عليه، فإذا بلغهم عن فقيه أنه تكلّم في مسألةٍ باحثاً مجتهداً، أو عن متكلّم قال في صفةٍ من صفات الله تعالى قولاً، أو عن مُذكّرٍ تحدث عن حال النفس كاشفاً مُنَقّباً، أو عن محدثٍ روى شعراً: ثارَتْ لذلك حفيظتُهم، ونقموا عليه ما صنع، وقالوا فيه من الجرح ما يرونه ملاقياً للجارح الذي اتصف به في نظرهم.
وقد جاء في ترجمة الإمام الشافعي رضي الله عنه، في "معجم الأدباء" لياقوت الحموي (٢٩٩: ١٧) ، ما نصه: "عن مصعب الزبيري قال: كان أبي والشافعي يتناشدان، فأتى