[الفائدة] الأولى: في كيفية شيوع كتابة الأحاديث وبَدْء تدوين التصانيف، وذكر اختلافها مَقصِداً، وتنوّعها مسلكاً، وبيان أقسامها وأطوارها.
- قال الحافظ ابن حجر العسقلاني (إمام الحفّاظ أحمد بن علي بن محمد العسقلاني المصري الشافعي، المتوفى سنة ٨٥٢ هـ وقد ذكرت ترجمته في التعلقيات السنية على الفوائد البهية في تراجم الحنفية (ش)) : في "هدي الساري" (١/١٧ - ١٨ وفي الأصل:"الهدي الساري" وهو تحريف) . مقدمة شرحه لصحيح البخاري المسمّى بفتح الباري. أعلم - علمني الله وإياك - أن آثار النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وعصر أصحابه وكبار تَبَعِهم مدوّنة في الجوامع ولا مرتَّبة، لوجهين: أحدهما: أنهم كانوا في ابتداء الحال قد نُهوا عن ذلك، كما ثبت في "صحيح مسلم" خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم، والثاني: سعة حفظهم وسيلان ذهنهم، ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة، ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار وتبويب الأخبار لمّا انتشر العلماء في الأمصار، وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكري الأقدار، فأول من جمع ذلك الربيع بن صبيح وسعيد بن أبي عَروبة وغيرهما، فكانوا يصنّفون كلّ باب على حدة إلى أن قام كبار أهل الطبقة الثالثة في منتصف القرن الثاني فدوّنوا الأحكام، فصنف الإمام مالك الموطأ، وتوخّى فيه القويّ من حديث أهل الحجاز، ومزجه بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وصنّف أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جُريج بمكة، وأبو عمرو عبد الرحمن الأَوزاعي بالشام، وأبو عبد الله سفيان الثوري بالكوفة، وحماد بن سلمة بن دينار بالبصرة، وهشيم بواسط، ومعمر باليمن، وابن المبارك بخراسان، وجرير بن عبد الحميد بالريّ، وكان هؤلاء في