المعتمد، وما مَثَله في ذلك إلاَّ كمثل خاتم أنبياء بني إسرائيل سيدنا عيسى وخاتم الخلفاء الأربعة عليٍّ المرتضى، حيث هلك فيهما مُحِبٍّ مفرط ومبغض مفرط، وكمثل سعد حيث شكاه عند عمر أهلُ الكوفة في كل شيء، حتى قالوا: إنه لا يحسن يصلي، فبرّأه الله مما قالوا، وهلكوا بدعائه المستجاب، وخسروا كما لا يخفى على ناظر كتب الصحاح والسنن المسانيد. ومن أراد الاطلاع على التفصيل في محاسنه، فليرجع إلى كتب مناقبه وغيرها فتندفع بها المعائب التي توهَّمها، وفيما ذكرناه كفاية لأرباب الإِنصاف، وأما أهل الاعتساف، فهم مطروحون خامدون، لا يليق أن يخاطَب بهم أرباب الانتصاف، ولا حاجة لنا إلى أن نمدحه بمدائح كاذبة ومحاسن غير ثابتة كما ذكر جماعة من المحبَّين المفرطين أنه تعلم منه الخضر على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وأن عيسى حين ينزل في زمن الدجّال، والإِمام مهدي، يحكمان بمذهبه، وأنه بشّر به رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:"يكون في أمتي رجل يُكنى بأبي حنيفة ويسمّى بالنعمان ... " الحديث، فإن أمثال هذه الأخبار كلها موضوعة، وأشباه تلك المناقب كلها مكذوبة كما حققه علي القاري في "المشرب الوردي بمذهب المهدي"، والسيوطي في "الإِعلام بحكم عيسى عليه السلام"، وابن حجر في "الخيرات الحسان في مناقب النعمان".
[الفائدة الحادية عشرة: [أهمية رواية محمد، وترجيحها على رواية يحيى المشهورة]]
- قد كثر الاعتماد على موطأ مالك برواية يحيى الأندلسي الليثي المصمودي الذي شرحه الزرقاني وغيره، ومر أنه المتبادر بالموطأ عند الإِطلاق، واشتهر فيما بين الموطأ (أي بين روايات الموطأ) اشتهاراً كثيراً في الآفاق، وأكبّ عليه العلماء ممن هو في عصرنا، وكثير ممن سبقنا بتدريسه ومدُّوا إليه الأعناق، وظن كثير منهم أن الموطأ برواية محمد بن الحسن الشيباني (اختلف العلماء في تسمية هذا الكتاب فمنهم من قال موطأ محمد، ومنهم من قال موطأ مالك برواية محمد بن حسن الشيباني، وهذا هو الأنسب عندي، وقد حقق ذلك أخونا الدكتور الفاضل محمد بن علوي المالكي الحسني في كتابه "أنوار المسالك إلى روايات موطأ مالك ص ١٧٢" طبع بدولة قطر) ليست بذاك، وأنها ليست معتبرة، ولا داخلة في ما هنالك.