بمجرد قولهم من دون تنقيده بأقوال غيرهم، كما ذكرتُ كل ذلك في "السعي المشكور في ردّ المذهب المأثور"، وبعض الجروح لا تثبت برواية معتبرة كروايات الخطيب في جرحه، وأكثر من جاء بعده عيال على روايته، فهي مردودة ومجروحة.
ومنها: أن كثيراً من تلامذته كانوا من الوضّاعين والمجروحين: كنوح الجامع، وأبي مطيع البلخي، والحسن اللؤلؤي. وهذا جرح مخالف لقوله تعالى:{وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ولو كان هذا جرحاً لكان كثير من سادات أهل البيت كجعفر الصادق، ومحمد الباقر، ومن فوقهما من المجروحين، فإن كثيراً من تلامذتهم كانوا رفاضاً كذابين.
ومنها: أنه روى كثيراً عن الضعفاء. وهذا أمر مشترك بين العلماء، فإن كثيراً من رواة الشافعي ومالك وأحمد والبخاري ومسلم ومن يحذو حذوهم كانوا ضعفاء.
ومنها: أنه كان قليل العربية، وهذا الطعن أدرجه بعضهم في تصانيفهم، مع كونه غير قادح عند أهل الحديث وحَمَلة الأخبار، ومع تصريح الثقات بجوابه والاعتذار كما في "تاريخ" ابن خَلَّكان بعد ذكر كثير من مناقبه، وكثير من مدائحه: وقد ذكر الخطيب في "تاريخه" شيئاً كثيراً منها، ثم أعقب ذلك بذكر ما كان الأليق تركه والإِضراب عنه، فمثل هذا الإِمام لا يُشَكّ في دينه، ولا في ورعه ولا تحفّظه، ولم يكن يُعاب بشيء سوى قلة العربية، فمن ذلك ما رُوي أن أبا عمرو بن العلاء المُقرئ النَّحْوي سأله عن القتل بالمُثَقَّل: هل يوجب القَوَد أم لا؟ كما هو عادة مذهبه خلافاً للشافعي، فقال له أبو عمرو: ولو قتله بحجر المنجنيق؟ فقال: ولو قتله بأبا قبيس يعني الجبل المُطِلّ بمكة، وقد اعتذروا عن أبي حنيفة أنه قال ذلك على لغة من يقول: إن الكلمات الست المعربة بالحروف وهي أبوه وأخوه وحَمُوه وهَنُوه وفُوه وذو مال، إعرابها يكون في الأحوال الثلاث بالألف، وأنشدوا في ذلك:
إن أباها وأبا أباها * قد بلغا في المجد غايتاها
انتهى.
وبالجملة فمناقب الإِمام لا تُحصى ولا تعد، ومعائبه وجروحه غير مقبولة على