لا اختلاف فيها عندنا كذا، وإن اختلفوا أخذوا بأقواها، وأرجحها. انتهى كلامه ملخَّصاً.
وقال أيضاً في تلك الرسالة (الإنصاف في بيان سبب الاختلاف: ص ١٣) : كان مالك أعلمهم بقضايا عمر وعبد الله بن عمر وعائشة وأصحابهم من الفقهاء السبعة، وكان أبو حنيفة ألزمهم بمذهب إبراهيم حتى لا يجاوزه إلاَّ ما شاء الله. وكان عظيم الشأن في التخريج على مذهبه، دقيق النظر في وجوه التخريجات، مقبلاً على الفروع أتم إقبال، وإن شئت أن تعلم حقيقة ما قلنا، فلخص أقوال النخعي من كتاب "كتاب الآثار" لمحمد، و "جامع" عبد الرزاق، و"مصنف" ابن أبي شيبة، ثم قايسه بمذهبه تجده لا يفارق تلك المحجة إلاَّ في مواضع يسيرة، وهو في تلك اليسيرة أيضاً لا يخرج عما ذهب إليه فقهاء الكوفة، وكان أشهر أصحابه أبو يوسف. تولى قضاء القضاة أيام هارون الرشيد، فكان سبباً لظهور مذهبه، والقضاء به في أقطار العراق، وخرسان، وما وراء النهر، وكان أحسنهم تصنيفاً وألزمهم درساً محمد بن الحسن، وكان من خبره أنه تفقه بأبي حنيفة وأبي يوسف، ثم خرج إلى المدينة، فقرأ الموطّأ على مالك، ثم رجع إلى نفسه، فطبق مذهب أصحابه على الموطّأ مسألة مسألة، فإن وافق فيها وإلاَّ فإن رأى طائفة من الصحابة والتابعين ذاهبين إلى مذهب أصحابه، فكذلك وإن وجد قياساً ضعيفاً أو تخريجاً ليناً يخالفه حديث صحيح مما عمل به الفقهاء، ويخالفه عمل أكثر العلماء تركه إلى مذهب من مذاهب السلف مما يراه أرجح مما هنالك، وهما لا يزالان على محجة إبراهيم ما أمكن كما كان أبو حنيفة يفعل ذلك، وإنما كان اختلافهم في أحد شيئين: إما أن يكون لشيخهما تخريج على مذهب إبراهيم يزاحمانه فيه أو يكون هناك لإبراهيم ونظرائه أقوال مختلفة يخالفان في ترجيح بعضها على بعض، فصنف محمد، وجمع رأي هؤلاء الثلاثة. ونفع كثيراً من الناس، فتوجه أصحاب أبي حنيفة إلى تلك التصانيف تلخيصاً وتقريباً وتخريجاً وتأسيساً واستدلالاً، ثم تفرقوا إلى خرسان، وما وراء النهر، فسمّي ذلك مذهب أبي حنيفة، وإنما عدّ مذهب أبي يوسف ومحمد واحداً مع أنهما مجتهدان مطلقان، لأن مخالفتهما غير قليلة في الأصول والفروع، لتوافقهم في هذا الأصل..