ثم لا يخفى على المستيقظ أن المقصود من الحديث ليس إلاَّ التمثيل والتفهيم. فالاستدلال لو تمَّ بجميع تقاريره لم يخرج تقدير وقت العصر بالمثلين إلاَّ بطريق الإِشارة. وهناك أحاديث صحيحة صريحة دالة على مضيّ وقت الظهر ودخول وقت العصر بالمثل، ومن المعلوم أن العبارة مقدَّمة على الإِشارة، وقد مرَّ منّا ما يتعلق بهذا المقام في صدر الكلام. الأمر الثاني ما ذكره صاحب الكتاب من أن هذا الحديث يدل على أن تأخير العصر - أي من أول وقتها - أفضل من تعجيلها. وقال بعض الأعيان متأخِّري المحدثين في " بستان المحدثين" ما معرَّبه: ما استنبطه محمد من هذا الحديث صحيح، وليس مدلول الحديث إلاَّ أن ما بين صلاة العصر إلى الغروب أقل من نصف النهار إلى العصر ليصح قلة العمل وكثرته، وذا لا يحصل إلاَّ بتأخير العصر من أول الوقت. انتهى. ثم ذكر كلاماً مطوَّلاً محصُّله الردُّ على من استدل به في باب المثلين، وقد ذكرنا خلاصته، ولا يخفى أن هذا أيضاً إنما يصح إذا كان الأكثرية لكل من اليهود والنصارى وإلاَّ فلا، كما ذكرنا، مع أنه إنْ صح فليس هو إلاَّ بطريق الإِشارة والأحاديث الدالَّة على التعجيل بالعبارة مقدَّمة عليه عند أرباب البصارة. وقد مر منا ما يتعلق به في صدر الكتاب، والله أعلم بالصواب. ألا ترى، تنوير للمدعى أنه صلى الله عليه وسلم جعل ما بين الظهر إلى العصر، أي إلى صلاة العصر أكثر مما بين العصر، أي صلاته إلى المغرب، أي وقته وهو غروب الشمس في هذا الحديث، ومن عجَّل العصر، أي صلَّاه في أول وقته وهو صيرورة الظل مثلاً كما هو رأي جمهور العلماء وبه قال صاحب الكتاب وصاحبه أبو يوسف وهو رواية عن شيخهما أبي حنيفة، بل قيل: إنه رجع إليه وهو الموافق للأحاديث الصحيحة الصريحة. كان ما بين الظهر، أي أول وقته وهو الزوال إلى العصر، أقل مما بين =