والأخبار المفيدة لهذا المطلب كثيرة شهيرة، وقد سلك ابن الهُمام في "فتح القدير" على أن الإثم منوط بترك الواجب، وردّه صاحب "البحر الرائق" وغيره بأحسن ردّ. وإذا عرفت هذا كلَّه، فنقول: المراد من الواجب في الكتاب اللازمُ، أعمُّ من أن يكون لزومَ سنَّة أو لزومَ وجوب أو لزومَ افتراض، فإن اللزوم مختلف، فلزوم الفرض أعلى، ولزوم الواجب أوسط، ولزوم السنَّة أدنى، وعلى هذا الترتيت ترتيب الإثم، لا الوجوب الاصطلاحي الذي جعلوه قسيماً للافتراض والاستنان، وحينئذٍ فلا دلالة لكلام محمد على قصر الإثم على الواجب. أو نقول: بعد تسليم أن المراد بالواجب في كلامه هذا مايشمل الفرض، والواجب دون السنَّة، إن التنوين في قوله "تاركٌ" للتنكير فلا يُستفاد منه، إلاَّ أن الواجب يَلحق تاركَهُ أيَّ تاركٍ كان، ولو تركه مرة: إثمٌ، وهو أمر لا ريب فيه، فإن الفرض والواجب يلزم من تركهما ولو مرَّة بشرط أن يكون لغير عذر إثم، ولا كذلك السنَّة، فإنَّه لو تركها (في الأصل: "تركه"، والظاهر: "تركها") مرة أو مرَّتين لا بأس به، لكن إن اعتاد ذلك أو جعل الفعلَ وعدمَه متساويَيْن أَثِم كما صرَّح به في "شرح تحرير الأصول" لابن أمير الحاج. فلا يفيد حينئذٍ كلامُه إلاَّ قصْرَ الإثم على سبيل العموم والإطلاق على الواجب لا قصر مطلق الإثم عليه. =