الفقه يأخذه عمن حَوْلَه - حتى كان الرجلُ يُسَلِّمُ عليه، فيدعو له محمد، فيزيدُه الرجل في السلام، فيردُّ عليه ذلك الدعاءَ بعينه، الذي ليس من جواب الزيادة في شيء.
محمد بن سَمَاعة قال: كان محمد بن الحسن كثيراً ما يَتمثَّلُ بهذا البيت:
"مُحَسَّدون وشَرُّ منزلةً * مَن عاشَ في الناس يوماً غير محسود"
انتهى ما قطفتُه من جزء الحافظ الذهبي في ترحمة محمد بن الحسن رحمهما الله تعالى.
ومصداقاً لما وصفه به الإمام الشافعي، من سعة الصدر وكثرة الحِلم في المناظرة وعلى المخالفين والمعارضين، أوردُ هذه الواقعة، وفيها أكثرُ من شاهد وفائدة.
روى الحافظ الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (١٥٨: ١١، وفي "أخبار أبي حنيفة وأصحابه" للقاضي أبي عبد الله الصيمري ص ١٢٨) ، في ترجمة (عيسى بن أبان) المحدِّث الفقيه، عن "محمد بن سَمَاعة قال " كان عيسى بن أبان يصلي معنا، وكنتُ أدعوه أن يأتي - مجلسَ - محمد بن الحسن، فيقول: هؤلاء قوم يخالقون الحديث، وكان عيسى حسَنَ الحفظ للحديث، فصلَّى معنا يوماً الصبح، وكان يومَ مجلسِ محمد، فلم أفارقه حتى جلس في المجلس.
فلما فرغ محمد - من المجلس - أدنيتُهُ إليه وقلتُ: هذا ابن أخيك أبانُ بنُ صدقة الكاتب، ومعه ذكاءٌ ومعرفةٌ بالحديث، وأنا أدعوه إليك فيأبى ويقول: إنَّا نخالفُ الحديث، فأقبَلَ عليه - محمد - وقال له: يابُنَيَّ، ما الذي رأيتنَا نخالفُهُ من الحديث، لا تَشهَد علينا حتى تَسمع منا.
فسأله يومئذٍ عن خمسةٍ وعشرين باباً من الحديث، فجعل محمد بن الحسن يُجيبه عنها، ويُخبره بما فيها من المنسوخ، ويأتي بالشواهد والدلائل. فالتفَتَ إليَّ عندما خرجنا فقال: كان بيني وبين النُّور سِتر، فارتفع عني، ما ظننتُ أنَّ في مُلكِ الله مِثلَ هذا الرجلِ يُظهِرُهُ للناس، ولَزِمَ محمد بن الحسن لزوماً شديداً حتى تفقَّه به". انتهى.
هذه لَمْعَةٌ من ترجمة محمد بن الحسن راوي"الموطأ" عن الإمام مالك رضي الله عنهما وجزاهما عن العلم والدين والمسلمين خيرَ الجزاء.