(٢) رأس الذكر المختون. (٣) قوله: وهو قول أبي حنيفة، وبه قال مالك والشافعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور والطبري وأبو عبيد وغيرهم من علماء الأمصار، وإليه ذهب جمهور أصحاب داود، وبعضهم قالوا: لا غسل ما لم يُنزل، تمسُّكاً بحديث "الماء من الماء" وغيره. واختلف الصحابة فيه، فذهب جمع كثير إلى وجوب الغسل وإن لم يُنزل. وبعضهم قالوا بالوضوء عند عدم الإِنزال، ومنهم من رجع عنه، فممن قال بوجوب الغسل عائشة وعمر وعثمان وعلي وزيد كما ذكره مالك. وابن عباس وابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة عنهما. وأبو بكر أخرجه عبد الرزاق، والنعمان بن بشير وسهل بن سعد وعامة الصحابة والتابعين ذكره ابن عبد البر، ولم يُختلف في ذلك عن أبي بكر وعمر، واختُلف فيه عن عليّ وعثمان وزيد، وقد صحَّ عن أبيّ بن كعب أنه قال: كان ذلك - أي وجوب الوضوء فقط بالإِكسال - رخصة في بَدْء الإِسلام ثم نُسخ، ولذلك رجع عنه أبيّ بعد ما أفتى به، وروى عائشة وأبو هريرة وعمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، وغيرهم مرفوعاً: "إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل" (انظر نصب الراية ١/٨٤ أيضاً. قد اتفق الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب على وجوب الغسل بغيبوبة الحشفة وإن لم ينزل، وكان فيه خلاف في الصدر الأول، فقد رُوي عن جماعة من الصحابة ومن الأنصار أنهم لم يروا غسلاً إلاّ من الإِنزال، ثم رُوي أنهم رجعوا عن ذلك، وصحَّ عن عمر أنه قال: من خالف في ذلك جعلته نكالاً، فانعقد الإِجماع في عهده، وخالف فيه داود الظاهري ولا عبرة بخلافه عند المحقِّقين، كما تجد تحقيقه في "شرح التقريب" للسبكي. وقد وقعت عبارة البخاري في صحيحه موهمة للخلاف حيث قال: قال أبو عبد الله: الغسل أحوط. فأوهم أنه يقول باستحباب الغسل دون الوجوب، وهذا مخالف لما أجمع عليه جمهور الأئمة، ويحتمل قول البخاري: "الغسل أحوط"، يعني في الدين من حديثين تعارضا، فقدَّم الذي يقتضي الاحتياط في الدين، وهو باب مشهور في أصول الدين، وهو الأشبه، لا أنه ذهب إلى الاستحباب والندب. هذا ملخَّص ما قاله القاضي في "العارضة". فهكذا وجه القاضي في "العارضة" وقال: والعجيب من البخاري أن يساوي بين حديث عائشة في إيجاب الغسل ... وبين حديث عثمان وأُبَيّ في نفي الغسل ... إلخ، ثم علَّل عدم صحة التعلّق بحديثهما. وراجع "عمدة القاري" ٢/٧٧. والذي اختاره ابن حجر في "فتح الباري" ١/٢٧٥ أن الخلاف كان مشهوراً بين التابعين ومن بعدهم، لكن الجمهور على إيجاب الغسل وهو الصواب، والله أعلم. انتهى كلامه. ولكنه يقول في "التلخيص" ص ٤٩: لكن انعقد الإِجماع أخيراً على إيجاب الغسل قاله القاضي وغيره. اهـ، فكأنه هنا غير ما اختاره في "الفتح"، وانظر "عمدة القاري" من ٢/٦٩، ٢/٧٢، و ٧٦ و ٧٧) ، ذكر كل ذلك مع زيادات نفيسة ابن عبد البر