للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


جالساً من مرض، فقالت طائفة: يصلّون قعوداً اقتداءً به، وذهبوا إلى هذه الأحاديث، ورأوها محكمة، وممن فعل ذلك جابر بن عبد الله وأبو هريرة وأُسيد بن حُضَير، وبه قال أحمد وإسحاق وطائفة من أهل الحديث، وقال أحمد: كذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، وفعله أربعة من أصحابه، والرابع: هو في خبر قيس بن فهد أنه شكى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يؤمُّنا جالساً، ونحن جلوس. وقال أكثر أهل العلم: يصلُّون قياماً، ولا يتابعون الإمام في الجلوس. ورأوا أنَّ هذه الأحاديث منسوخة بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى بالناس في مرض وفاته، وهو جالس والناس قيام كما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة، كذا ذكره الحازمي في "الاعتبار" (ص ١٠٩) والزيلعيُّ وجمعٌ من العلماء، وقد أنكر ابنُ حبان النسخ، فقال في "صحيحه" بعد ما أخرج حديث: "وإذا صلّى جالساً فصلُّوا جلوساً" فيه بيان واضح أن الإمام إذا صلّى قاعداً كان على المؤتَمِّين أن يصلُّوا قعوداً، وأفتى به من الصحابة جابر وأبو هريرة وأُسيد بن حُضَير وقيس بن فهد، ولم يُروَ عن غيرهم خلاف هذا بإسناد متصل ولا منقطع فكان إجماعاً سكوتيّاً. وقد أفتى به من التابعين جابر بن زيد ولم يروِ عن غيره من التابعين خلافه، وأول من أبطل ذلك في الأمة المغيرة بن مقسم وأخذ عنه حماد بن سليمان، ثم أخذه عن حماد أبو حنيفة وأصحابُه، وأعلى ما احتجوا به حديث رواه جابر الجعفي، عن الشعبي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يُؤّمَّن بعدي جالساً. وهذا لو صحَّ إسناده لكان مرسلاً. والمرسل لا يقوم به حجة، والعجب أن أبا حنيفة يجرح جابر الجعفي ويكذِّبه ثم يحتج بحديثه. انتهى ملخصاً.
أقول: وفيه نظر، من وجوه: أحدها: أنه قد ثبت نسخ ذلك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أيامه، فلا يُعتبر بما خالفه، وثانيها: أن فتوى الصحابة لم يكن إلا لأنه لم يبلغهم الناسخ، قال الشافعي بعد ما أخرج بسنده عن جابر وعن أسيد أنهما فعلا ذلك: في هذا ما يدل على أن الرجل يعلم الشيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم خلافه عنه، فيقول بما علم، ثم لا يكون في قوله بما علم وروى حجَّةٌ على أحد

<<  <  ج: ص:  >  >>